بيان ضعف حديث «أَبْغَضُ الْـحَلاَلِ إِلَى اللَّـهِ
الطَّلاَقُ»
عن ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ-صلى الله عليه
وسلم- قَالَ «أَبْغَضُ الْـحَلاَلِ إِلَى اللَّـهِ الطَّلاَقُ».
رواه أبو داود (ح2180)، ومن طريقه البيهقي في
السنن الكبرى (14671) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عن مُعَرِّفِ بْنِ وَاصِلٍ
عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عن ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قلتُ:
رجاله ثقات، لكنه معلول، ولا يصح موصولا،
والصواب كونه مرسلا.
والموصول ضعفه الدارقطني، وأبو حاتم، والبيهقي،
والخطابي في معالم السن (2/285)، والألباني في الإرواء (7/106)، وفي ضعيف أبي داود
(2/228)، والحمل فيه على محمد بن خالد الوَهْبِيِّ.
نعم وثقه ابن معين، والدارقطني، لكنه غَلِطَ في
وصل هذا الحديث.
وأخرجه ابن ماجه (ح2008)، وابن عدي في كامله
(4/323)، والطَّرْسُوسِيُّ في مسنده (ح14) من طريق مُحَمَّدِ بنِ خالد الوَهْبِيِّ عَنْ الوصافي به.
وأخرجه تمام في فوائده
(ح26) عن سعد الله بن يحيى ومحمد بن مسروق قالا ثنا عبيد الله بن الوليد.
لكن عُبَيْدُ اللَّـهِ بْنُ الْوَلِيدِ الوَصَّافِيُّ
ضعيف له مناكير كثيرة، ضعفه أحمد، وابن المديني، وابن معين، وأبو زرعة.
وقال النسائي في الضعفاء (205): متروك الحديث.
وقال أبو حاتم في العلل (1/156): أحادِيثُ الوَصَّافِيِّ، عن مُحارِبٍ:
مناكِيرُ.
وقد خالف الوَهْبِيَّ أربعُ ثقات.
الأول: أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ.
أخرجه عنه أبو داود (2179) قال: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا مُعَرِّفٌ عَنْ مُحَارِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّـهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا أَحَلَّ اللَّـهُ شَيْئًا أَبْغَضَ
إِلَيْهِ مِنَ الطَّلاَقِ». وهذا صحيح مرسل.
الثاني: وَكِيعٌ.
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (5/253/19537) عن وَكِيعِ
بْنِ الْجَرَّاحِ عَنْ معْرِّفٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-" لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا أَحَلَّ اللَّـهُ
أَبْغَضَ إلَيْهِ مِنَ الطَّلاَقِ.
والثالث: يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ.
أخرجه عنه البيهقي في الكبرى (14673)، وفي
الصغرى (2081) قال حَدَّثَنَا مُعَرِّفُ بْنُ وَاصِلٍ حَدَّثَنِي مُحَارِبُ بْنُ
دِثَارٍ مرسلا وفيه «إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْـحَلاَلِ أَبْغَضُ إِلَى
اللَّـهِ مِنَ الطَّلاَقِ».، ويحيى ثقة، وقد تكلم فيه بعضهم.
فهؤلاء الثلاثة -أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ،
ووَكِيعٌ، ويَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، مع أبي نعيم- الواحد منهم منفردا أوثق من
جماعة من مثل محمد بن خالد الوَهْبِيِّ، فكيف لو اجتمعوا على الإرسال!
سُئِل الدارقطني في علله (3123):
عَن حَديث محارب بن دثار، عن ابن عُمَر: قال
رسول الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلم أبغض الحلال إلى الله الطلاق، فقال: يرويه
عُبَيد الله بن الوليد الوصافي، عن محارب كذلك.
ورواه معرف بن واصل، واختُلِفَ عنه؛ فرواه محمد
بن خالد الوهبي، عن معرف، عن محارب، عن ابن عُمَر، عنِ النَّبيِّ صَلَّى الله
عَلَيه وسَلم.
ورواه أبو نعيم، عن معرف، عن محارب مرسلًا، عنِ
النَّبيِّ والمرسل أشبه. اهـ
وقال ابن أبي حاتم في العلل (1297):
وسألتُ أبِي عَن حدِيثٍ رواهُ مُحمّدُ بن
خالِدٍ الوهبِيُّ، عنِ الوصافي، عن مُحارِبِ بن دِثارٍ، عن عَبدِ اللهِ بن عُمر،
عنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قال: أبغضُ الحلالِ إِلى اللهِ
الطّلاقُ.
ورواهُ أيضًا مُحمّدُ بن خالِدٍ الوهبِيُّ، عن
مُعرِّفِ بن واصِلٍ، عن مُحارِبِ بن دِثارٍ، عن عَبدِ اللهِ بن عُمر، عنِ
النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِثلهُ.
قال أبِي: إِنّما هُو مُحارِبٌ، عنِ النَّبِيِّ صَلَّى
الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُرسلًا. اهـ
قلتُ:
فالذي يظهر لي والله أعلم أن مُحمّدَ بن خالِدٍ
الوهبِيُّ أخذه عن الوَصَّافِيِّ موصولا والحمل فيه على
الوَصَّافِيِّ، ثم غَلِطَ الوهبِيُّ
فجعله من حديث مُعرِّفٍ موصولا أيضا !، والصواب المرسل، والدليل رواية الثقات له
عن معرف مرسلا، والله أعلم.
وقد
روي من حديث معاذ بن جبل مرفوعا.
أخرجه
عبد الرزاق في مصنفه (6/390/ 11331)، وابن عدي في الكامل (2/279/443)، والدارقطني في سننه (94، 95، 96)، والبيهقي في سننه
الكبرى (14897، 14898، 14899)، والديلمي (8485) جميهم من طريق حُمَيْدِ بْنِ
مَالِكٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ الله-صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم-: يَا مُعَاذُ مَا خَلَقَ الله
شَيْئًا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنِ الْعَتَاقِ، وَلاَ خَلَقَ
شَيْئًا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلاَقِ...
الحديث.
وهو حديث منكر؛ ضعفه البيهقي، وابن القيم، وابن حجر، وابن الجوزي.
وفيه علتان:
الأولى: حُمَيْدُ بْنُ
مَالِكٍ ضعيف جدا، ضعفه ابن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وابن عدي.
الثانية: الانقطاع، فمكحول
لم يدرك معاذا، وفي بعض الطرق عن حميد عن مكحول عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل
رضي الله عنه، وفي بعضها عنه عن مكحول عن مالك بن يخامر، والعلة ما سبق.
غير أنه ليس في الحلال ما هو مبغوض إلى الرب جل وعلا، إلا إذا أريد بالحلال مقابلة الحرام، فيكون الحلال حينئذ شاملا لجميع الأحكام ما عدا الحرام، أي: يكون شاملا " للواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه" ، والمكروه قد يدخل في المبغوض، وتفصيل ذاك تجده في كتب أصول الفقه، والله أعلم.
غير أنه ليس في الحلال ما هو مبغوض إلى الرب جل وعلا، إلا إذا أريد بالحلال مقابلة الحرام، فيكون الحلال حينئذ شاملا لجميع الأحكام ما عدا الحرام، أي: يكون شاملا " للواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه" ، والمكروه قد يدخل في المبغوض، وتفصيل ذاك تجده في كتب أصول الفقه، والله أعلم.
وكتب
أبو زيـاد محمد سعيد البحـيـري
0 التعليقات:
إرسال تعليق