الأول: لماذا الفعل الأمر في القرءان الكريم لم يؤكد بنون التوكيد؟
الثاني: الفعل (وَصَلَ) أهو متعد أم لازم؟ نحو: وصلت الدارَ
==========================
ج: بسم الله، وصلى الله وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما بعد
فالفعل الأمر أُكد بالنون في بعض القراءات غير المتواترة؛ من ذلك قراءة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، ومسلمة بن محارب لقوله -تعالى-: «فَدَمِّرانِّهمْ تدْمِيرًا»، وقد حكى أبو عمرو عن علي أيضا أنه قرأ: «فَدَمِرْناهم» بكسر الميم مخففة، وحكى عنه أيضا: «فَدَمِّرا بهم» بالباء على وجه الأمر؛ ذكر ذلك ابن جني في "المحتسب" (2/ 122)، وقال أيضا:
"الذي رويناه عن أبي حاتم أنه حكاها قراءة غيرَ معزُوَّة إلى أحد «فَدَمِّرانِّهمْ تدْمِيرًا» " بنون التوكيد الثقيلة، على أنه أمر مؤكد بالنون لموسى وهارون عليهما السلام.
=============================
فإن قلتَ: لماذا لم يُذكر مؤكدًا بالنون في القراءات المتواترة؟
قلتُ: هناك استنباطات كثيرة، أظهرها أن الأمر يتخلص للاستقبال وضعا، ونون التوكيد تخلص الفعل للاستقبال، والأمر يدل بصيغته على طلب الفعل، ونون التوكيد تؤكد حصولَ هذا الطلب، فلم نحتج لتوكيده حينئذ؛ إذ الدلالة واحدة.
والعرب تؤكد نفسَ الفعل الأمر في البيت الواحد تارة ولا تؤكده أخرى، ألا ترى أن عبد الله بن رواحة -رضي الله عنه- قال:
فأَنزلنْ سكينةً علينا *** وثبّتِ الأقدامَ إن لاقينا
فأكد الفعل «أنزل» ولم يؤكد «ثبت»، فدل ذلك على أن توكيده بالنون ليس سوى توكيد في اللفظ!؛ إذ لا يمكن أن يكون مريدا لتوكيد السكينة، وغير مريد لتثبيت الأقدام!
==============================
أما الفعل «وَصَلَ» فيأتي لازما ومتعديا؛ فالمتعدي منه نحو الذي في قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ).
"ووَصَلَ الشيءَ بالشيءِ وَصْلًا" أي: لَأَمَهُ ولم يقطعه، والعرب تقول: وَصَلَ فلانٌ رحمَهُ، إذا لم يقطعها.
أما في المثال الذي ذكرتَه أنت فهو بمعنى بَلَغَ، ضُمِّنَ معناه، تقول: "وصلتَ الدارَ" أي: بلغتها، والأشهر أن تقول: وصلت إليها، وبلغتها.
والأكثر فيه أن يكون لازما، وله في ذلك معان مختلفة؛ كما في قوله -تعالى-: ( فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)، وقوله -تعالى-: ( إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ)، وقوله -تعالى-: ( قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا)
.
ثم اللازم منه يتعدى باللام، وقد يتعدى بالميم «وصل منه»، وقد يتعدى بالباء «وصل به»، هذا جواب مختصر، والله أعلم.
================
كتب / محمد سعيد البحيري
0 التعليقات:
إرسال تعليق