س: يسأل كثير من الإخوة عن حكم قول: "إلا رسول الله" صلى
الله عليه وسلم.
==================
ج: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما بعد
فقد بينت في جواب لأحد الإخوة أن هذه الجملة تصح من حيث الإعراب
ولا شك في ذلك.
أما من حيث البيان والمعنى فقد يلتبس بها المعنى، والأولى البعد
عنها، مع أن لها وجها تصح به، ووجهين إعرابين آخرين تصح بهما أيضا:
فالوجه الإعرابي الأول: أن إلا زائدة، ورسول بالرفع مبتدأ، خبره
محذوف تقديره لا تسبوه. أو نجعل رسولَ مفعولا به لفعل محذوف تقديره لا تسبوا.
وحينئذ لا يكون هناك استثناء أصلا.
والثاني: أن إلا بمعنى الواو الاستئنافية. وهما معنيان صحيحان من
معاني إلا، وإن كان قد تنازع النحاة في بعض ذلك.
===================
لكن من حيث المعنى قد يلتبس
والتعليل بأن المحذوف معلوم لا يُسلم به، بل الظاهر هنا أنه غير
معلوم، لأنه لو كان معلوما لما اختلف الناس في صحتها.
ثم إن من شروط حذف المستثنى منه ألا يلتبس به المعنى، وهذا شرط
يشترطه البلاغيون شرطا زائدا على الشروط النحوية، وهو غير متحقق هنا.
حينئذ لا يُعتبر سبهم للرسول صلى الله عليه وسلم قرينة لفظية يصح
بها حذف المستثنى منه؛ لأنه قد يلتبس به المعنى.
ثم إن الكفار يستهزؤون بكل شيء له تعلق بالدين الإسلامي، فإذا قلنا
إلا رسول الله صار ذلك حصرا لعدم الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم فقط.
ومن شروط الكلام الفصيح -كما هو متقرر بلاغيا- أن يكون الكلام
خاليا من التعقيد، بحيث يكون واضح الدلالة على المراد، وهو ما لم يسلم منه
المتكلم، لأن التعقيد ههنا لفظي سببه الحذف.
أما ادعاء بأن المتكلم لا يقصد ذلك فهذا يبين أنها عبارة ركيكة لا
يساعد المتكلم بها حذف المستثنى منه.
بل الواقع يكذب هذا الادعاء؛ إذ بعض الجهال من المسلمين قد يغضب
غضبا شديدا إذا سب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يغضب مثل هذا الغضب إذا سب أحد
رب العزة أمامه.
أضف إلى ذلك أن الأصل في المستثنى منه العموم، والأفراد التي نحتاج
إلى إخراجها من المستثنى منه كثيرة، نحتاج إلى إخراجها جميعا بلفظ خارج، وهذا يضعف
عموم المستثنى منه، فكيف إذا أراد المتكلم أن يجعل المستثنى منه محصورا على بعض
الأفراد في ذهنه.
فادعاء أن المتكلم يقصد سبوا أبي أو أمي أو عرضي أو أولادي أو
زوجتي إلا رسول الله، تحكم في اللفظ بلا بينة ولا قرينة تدل عليه.
===============
لكن الذي يجعلني أقول: "غيرها أولى منها" أنه من المقرر
في علم البلاغة أن الاستثناء قد يكون ادعائيا غير حقيقي للمبالغة بفرض أن ما عدا
المقصور عليه في حكم المعدوم، فيكون المعنى حينئذ لا تسبوا رسول الله، على سبيل
التوكيد في ذلك، وليس عندنا مستثنى ولا مستثنى منه، كما بينته في شرحي على مئة
المعاني والبيان.
على أنه لا يُسلم أيضا بذلك؛ لأن المستثنى منه المحذوف مهما قدرته
عاما يفسد هذا الادعاء، وقد بينت ذلك في درس العام من شرحي الكبير على نظم الورقات
في علم أصول الفقه.
وباختصار أقول: العبارة صحيحة من حيث الإعراب، لكنه من حيث الشرع
والبيان قد تحمل معنى فاسدا، ولا أحب لأحد أن يتكلم أحد بها حتى لا يلتبس بها
المعنى، والله أعلم
0 التعليقات:
إرسال تعليق