عبادة الشمس عند العرب وبعض فلكي اليوم
عبادة المشركين لم تكن محصورة في الأشجار والأحجار كما يظن كثير من
جهال المسلمين، بل أصل الشرك هو الغلو في الصالحين كما سبق بيانه، ولذلك جاءت جميع
النصوص الواردة في التحذير من الشرك بلفظ العموم؛ كقوله -تعالى-: ﴿وَاعْبُدُوا
اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء:36]، فشيئا نكرة في سياق النهي
تعم كلَّ شركٍ وكلَّ شريك، ملكا، كان أو نبيا، أو رسولا، أو جِنًّا، أو صالحا، أو
حجرا، أو شجرا.
أما أهل التوحيد فيعبدون إلها واحدا، هو الله الواحد القهار، قال
-تعالى-: ﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
(39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ
وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا
لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف:40].
فكيف إذا جاءت نصوص خاصة في التحذير من عبادة الشمس والقمر
والنجوم؛ إذ كانت طوائف من العرب تعبد ذلك كله.
فدليل عبادة المشركين الشمسَ والقمرَ من دون الله قوله -تعالى-:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا
لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ
كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [فُصِّلَت:37].
والشمس من الأصنام التي تسمى بها بعض العرب تعظيما لها، فمنهم من
تسمى بعبد شمس، والنسبة إليه "عبشمي".
وذُكِرَ أن بعض بني تميم تعبدت له. وكان له بيت وصنم، وكانت تعبده
بنو أُدِّ بْنِ طَابخَة كلها.
والشمس عند العرب إله مؤنث، وكانوا يسمونها "إلَاهَةَ"
تعظيمًا لها، كما قالت أمية بنت عُتَيْبَةَ بنِ الحَارِث اليَربوعيِّ ترثي أباها
وهي أم البنين:
تَرَوَّحْنَا مِنَ اللَّعْبَاءِ قَصْرًا *** فَأَعْجَلْنَا
إلَاهَةَ أَنْ تَؤوْبَا
أي الشمس، ويدلك على ذلك من تسميتهم الشمس بـ "إلاهَةَ"
أنه غيـر منصرف، فهو إذن منقول مخصوص بها.
وقد كان بعضُ العرب يعظم وقت طلوع الشمس ووقت غروبها، وقد نهى
النبي ﷺ عن الصلاة في هذين الوقتين مخالفة للمشركين الذين يسجدون لها حينئذ، فقد
أخرج مسلم وغيره عن عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِىِّ رضي الله عنه قال: .....
قلت يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ وَأَجْهَلُهُ فقال
ﷺ: «صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ
الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ
شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ».
وأخرج الشيخان عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
«لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّى عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ
غُرُوبِهَا».
ولهما أيضا واللفظ للبخاري من طريق هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ: «إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ وَإِذَا
غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ وَلَا تَحَيَّنُوا
بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ
قَرْنَيْ شَيْطَانٍ».
ولمسلم (ح1443) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: قال رسول الله ﷺ: «تِلْكَ
صَلَاةُ الْمُنَافِقِ يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ
قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا لاَ يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا
إِلَّا قَلِيلًا».
والحديث حق على ظاهره؛ فإن الشمس تطلع وتغرب بين قرني الشيطان، وقد
جاء شيطان في الحديث نكرةً في رواية، ومعرفةً في رواية أخرى، والمراد به إبليس،
فهو -لعنه الله- ينصب نفسه قائما حتى يحاذي الشمس لتطلع بين قرنيه، فإذا سجد لها
المشركون وقتئذ سجدوا له أيضا.
=======================
وعبادة الشمس أمر موجود من قديم، فقد بُنيت لها المعابد، وصُوِّرَ
لها عدة تماثيل، وقُدِّمَ لها القرابين، فعبدها أقوامٌ كثيرون من العرب وغير العرب
من الساميين، مثل البابليين والكنعانيين والعبرانيين. وورد في ذلك نصوص في كتب
التاريخ والعهد القديم، وكانت تُعرف بـ Beth
Shemesh.
وقد كان قوم سبإ يعبدون الشمس من دون الله ويسجدون لها، كما قال
عنهم هدهد سليمان -عليه السلام-: ﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ
مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ
السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾ [النمل:24].
وقيل: إن الصينيين القدماء كانوا يعتقدون أنه يوجد عشرة شموس
فتَيَّةٌ، وكان يلزم أن يذهب كل يوم منها شمسان للعب في السماء، إلى أن قررت أن
تذهب العشرة للعب سويا!، مما جعل الأرض تُصاب بحر شديد، فقررت إحداهن قتلهن جميعا
للمحافظة على الأرض والحياة عليها!! فعبدوها!
وكانت عبادة الشمس أمر سائد في مصر القديمة، وقد كان رع يمثل إله
الشمس الرئيس عند القدماء المصريين. ويقال: كان رع يكافح ضد قوى الفوضى والشر
الممثلة في أفعى كبيرة تسمى أبوفيس حتى تستطيع الشمس التي هي (رع) الظهور في
الصباح التالي في أعالي السماء. وعندما تختفي الشمس كل مساء يغير الإله رع طريقة
انتقاله !!، ويركب مركبا مقدسا يعبر به النيل تحت الأرض. ويعبر رع خلال تلك الرحلة
اثنتي عشرة بوابة تمثل اثنتي عشرة ساعة هي عدد ساعات الليل (من الخامسة مساء إلى
الخامسة صباحا) في العالم التحتي، ولم يزل يقاوم (رع) قوى الفوضى والأخطار التي
تقابل مركبه الشمسي. وكانوا يعتقدون أن الإله ست يقوم بمساعدته خلال تلك الرحلة!!؛
حيث يقف على مقدمة المركب ويهدد الأفعى أفوبيس برمحه كي لا تقترب. ولا يزالان على
هذا النحو كل ليلة في العالم التحتي حتى يعود رع إلى الظهور من جديد ويلقي بأشعته
التي تمنح الحياة على البشر على سطح الأرض!! كذا يعتقدون.
كذلك بعض التجريبيين والفلكيين في عصرنا هذا يعبدون الشمس،
ويعتقدون أنها المتحكمة في هذا الكون، وأنَّ الكون كله يسير وفق أمرها وجاذبيتها
المزعومة. والله أعلم
كتبه
أبو زياد محمد سعيد البحيري
0 التعليقات:
إرسال تعليق