بسم
الله، وصلى الله وسلم على رسول الله.
أما بعد
فالأرض
عند أكثر الفلاسفة كروية، وأول من قال بذلك هو فيثاغورث، إلى أن جاء بطليموس في
كتاباته وأبحاثه، لا سيما كتابا المجسطي والجغرافيا، فدعم هذه النظرية، وأراد أن
يقيم لها بعض الدلائل، ثم تبعه على ذلك كثير من علماء الهيئة من فلكي المسلمين
وجغرافييهم، ومن هؤلاء ابن حوقل، والإدريسي، وأبو سعيد النقاش، ومن قبلهما
المسعودي، وابن خرداذبة، والأصطخري، ثم تأثر بكلامهم بعد بعض علماء الدين من
المتكلمين والمفسرين والفقهاء كابن حزم، وأبي المعالي الجويني، وفخر الدين الرازي،
وغيرهم.
لكن جميع
هؤلاء القدامى الذين قالوا بكروية الأرض لم يجوزا إمكان العبور من القطب الشمالي
إلى الجنوبي، لاستحالة ذلك؛ ذلك أن معظم اليابسة مع نسبة المياه التي نعلم وجود
حياة عليها لا تعدو أن تكون ربعًا واحدًا معمورا من وجه الأرض، وجميعهم إذا تكلموا
على جغرافية الأرض وشكلها، لا يتجاوزون القطب الجنوبي ولا الشمالي؛ ذلك أن الحياة
منحصرة بينهما، ولذلك صرحوا بأنه لا يمكن ركوب البحر المحيط والعبور من القطب
الشمالي للجنوبي، وهذا معنى كلام ابن حوقل في كتابه صورة الأرض:
(وأمّا ما
بين يأجوج ومأجوج والبحر المحيط في الشمال وما بين برارىّ السودان والبحر المحيط
في الجنوب فقفر خراب ما بلغني أنّ فيه عمارة ولا حيوانا ولا نباتا، ولا يعلم مسافة
هاتين البرّيّتين إلى شطّ البحر كم هي، وذلك أنّ سلوكهما غير ممكن لفرط البرد الذي
يمنع من العمارة والحياة في الشمال، وفرط الحرّ المانع من العمارة والحياة في
الجنوب).
وبهذا
تعلم أن قول فخر الدين الرازي بأن من ينطلق من نقطة ما على الكرة رجع لنفس
النقطة!!! قول خطأ؛ لأن الفلاسفة لم يقولوا بذلك.
هذا على
قولهم بأن الأرض كرة.
فإن قلت:
من أين لهم بهذا القول؟
قلتُ: من
كلام بطليموس في كتاب المجسطي وبعض فلاسفة اليونان، وجميع علماء الهيئة صرحوا بذلك.
فجميعهم
يقولون بكروية الأرض، لكنهم اتفقوا على أنها مركز الكون، وأنها ثابتة، وجميع
الكواكب تتحرك في فلكها، ولم يقولوا بأنها كالكرة تماما، بل صرح بعضهم بأنها
مفرطحة عند القطبين.
خلا ما
ذُكر عن بطليموس أنه قال: بدوران الأرض والكواكب والشمس حول نار مركزية.
إلى أن
جاء ابن الشاطر فنُسب إليه أنه قال بمركزية الشمس.
-------------------------------
أما قول أكثر
علماء الإسلام فهو أن الأرض مسطحة، أي سطح ومركز، وثم جهتان لا غير، علو مطلق،
وسفول مطلق، والهواء يحيط بها من جميع الجهات، وأنها مغمور أكثرها في الماء، وأنها
أيضا مركز الكون، وهي محط الأثقال، وأنه مهما سقط شيء من السماء فلا ينزل إلا على
الأرض، لأن الأرض تقابل السماء، والسماء محيطة بها، والمسافة من أي مكان في الأرض
إلى السماء مسافة واحدة من جميع الجهات، وهي سبع طباق بعضها فوق بعض، فالأولى
أعلاها، وهي التي نعيش عليها، وهي سطيحة، والسابعة أسفلها، وفيها جهنم، وهي أسفل
سافلين، وبين كل أرض والتي تليها مسافة. قيل: كما بين السماء والأرض، وأن في كل
أرض منها خلق، لا يعلم حقيقتهم إلا الله تعالى.
وقيل:
إنها سبع أرضين إلا إنه لم يفتق بعضها من بعض، أي مطبقة بعضها على بعض من غير فتوق.
وقد خلق
الله -جل وعلا- الأرض أولا ثم خلق السموات، وهذا شأن البناء أن يبدأ بعمارة أسافله
ثم أعاليه بعد ذلك.
ومجموع
الأرضين السبع الطباق سطح وعمق، ولهذا يعبر عن ذلك بعض علماء الإسلام كابن تيمية
وغيره بأنها (كرية الشكل، وأنها كالكرة) أرادوا به الجسم المستدير ذي العمق الذي
ينتهي بمركز، لا كرة القدم ككقول ناسا ومن لف لفها.
فالتقى
علماء المسلمين مع أكثر الفلاسفة في جميع النقاط عدا القول بكروية الأرض، حتى إنك
لو أتيت بخرائط فلكي المسلمين وغير المسلمين من المتقدمين والمتأخرين، كخريطة
الإدريسي، وابن حوقل، والخريطة الصينية، والهندية، وخريطة جيراردوس مركاتور، ومونتي، وغيرهم، حسبتهم يقولون بأن الأرض مسطحة؛ ذلك أنهم يرسمونها دائرة والماء محيط بها
كالطوق من جميع الجهات، وهو بعينه قول جل علماء المسلمين المتقدمين.
وافترقا
في القول بأن من يقولون بكروية الأرض اكتفوا بذكر السطح؛ لأن الجهة المقابلة ليست
معمورة، ولا أحد هناك إلا من شاء الله، ولا يمكننا العبور إليها!!.
فيحسب من
ينظر إلى تلك الخرائط كخريطة الإدريسي، وابن حوقل ومركاتور، ومونتي، وغيرهم، أنهم وعلماء
المسلمين القائلون بتسطيح الأرض أنهم يقولون بنفس القول، وهذا منشأ الخطإ عند كثير
من المتأخرين والمعاصرين لا سيما من يقولون بالأرض المسطحة.
والخلاف
أيضا في الماء أهو تحت الأرض وفي جنباتها فقط، أو هو محيط والمركز هو التحت،
والفرق بين الاثنين أن الأولى تكون مستديرة كالطبق، والثانية شبه مكورة أو مكورة.
والذي
يظهر لي التوقف؛ لأنه لا يمكن -فيما نعلم ويظهر لنا- أن يكون ثم ماء إلا وبعده يابسة، وبهذا يقول جميع الجيولوجيين والجغرافيين، أي يقولون: ليس ثم ماء إلا وبعده يابسة، وهذا
يقتضي وجود يابسة بعد البحر المحيط، والعلم عند الله.
فكما ترى
على القولين لم يقل أحد بالحياة في الجهة المقابلة.
لكن الذي
نقطع به أن الجهة التي نعيش عليها مسطحة، سواء كانت مفرطحة عند القطبين أو لا، والعلم
عند الله، وإلا لما أمكن إثبات صفة استواء الله على عرشه جل جلاله، ولا أمكن لأحد أن يتجه للقبلة.
----------------------------------------
إلى أن
ظهر نيكولاس كوبرنيكوس، وقال بمركزية الشمس، وأن جميع الكواكب تابعة لها، وأنها
مركز الكون، وأن الأرض تدور حولها، وحول نفسها، وهو قول سبقه إليه أرسطرخس
الساموسي ولم يشتهر عنه، وهو أول من قال بدوران الأرض والكواكب حول الشمس، وعنه
أخذ كوبرنيكوس، وكيبلر، وجاليليو، هذا النموذج وطوروه من بعده، ثم تبعهم على هذا
الهراء إسحاق نيوتن، واشتهر هذا القول حتى تبنته الصهيونية العالمية، ووكالة الفضاء المزعوم ناسا الماسونية، وصار مقررا
في المدارس والجامعات، فشب عليه الصغير، وهرم عليه الكبير.
فاعتقد
الناس أن الأرض ككرة القدم، وأن هذا شكلها في نفس الأمر.
وعلى
القولين المتقدمين، أعني سواء القول بكروية الأرض الذي هو الفلاسفة أو تسطيحها لا
يمكن الحياة على الجهة المقابلة للربع المعمور، وبهذا يتبين أن قول ناسا، وخرائط
جوجل إيرث كذب محض؛ إذ لو كانت صدقا لأمكن الذهاب من جنوب إفريقيا للقارة القطبية
الجنوبية، وهو ممنوع.
كذلك لا
يمكن العبور من القطب الشمالي للجنوبي، ومعلوم أن من كان في القطب الشمالي وأراد
السفر للجنوبي فلا بد أن يمر على الربع المعمور لا أن يذهب عكسا من جهة البحر
المحيط.
فإن قلت:
لماذا؟
قلتُ: لأن القطب الجنوبي ليس قارة!!!!
نعم ليس
قارة، بل هو محيط عظيم يطوق الأرض كالطوق، وهذا سواء قلت بكروية الأرض أو تسطيحها.
فلا يوجد
أبدا مسار طائرة أو رحلة طيران تدور على الكرة الأرضية المزعومة شمالا جنوبا أو
جنوبا شمالا، بأن تبدأ من نقطة وترجع لها من الجهة المخالفة، وإلا لكان استقبال
القبلة تجاه الكعبة واستدبارها سواء!!، ولا قائل بهذا من العقلاء.
فعلمنا
من ذلك كذب ناسا، ومن لف لفها، فلا يوجد أبدا طائرات تمر على القطب الجنوبي، لأنه
في حقيقة الأمر أنتاركتيكا ليست قارة، والله أعلم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق