نحو نحو جديد
(5)
"لام الجحود" أو
"لام النفي".
سميت لامَ الجحود لأنها تقع بعد النفي
المقدر توكيدا له، والنفي إنكار، فيأتي توكيدُه بها ليكون أبلغ في نفي الفعل،
وليست هي لامَ التعليل على الصحيح.
وعلامة لامِ الجحود أنها تكون مكسورة
غالبا، وتُسبق بـ "كان" الناقصة المنفية بـ "ما"، أو بـ
"يكون" المنفي بـ "لم" دون غيرهما من أدوات النفي.
كما عملت النصبَ في الأفعال
"يضيعَ، ويغفرَ، وأسجدَ"، في قوله -تعالى-: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ [البقرة:143]، وقوله -تعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا
﴾ [النساء:168]، وقوله -تعالى-: ﴿قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ
السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ
صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) ﴾ [الحِجر].
وتُعرب اللام: حرفا زائدا مبنيا على
الكسر لا محل له، والفعل المضارع بعدها منصوبا بها!!، والجملة من الفعل وفاعله هي
خبر كان أو يكون.
فاللام عند الكوفيين زائدة لتوكيد
النفي لا تتعلق بشيء، ولذلك أجازوا أن يتقدم معمولُ منصوبها عليها، فيقال:
"ما كان زيدٌ عمرًا ليضرب" واحتجوا على ذلك بقول الشاعر:
لقد عَذَلَتْنِي أُمُّ عَمْرٍو وَلَمْ
أَكُنْ *** مَقَالَتَهَا مَا كُنْتُ حَيًّا لِأَسْمَعَا
ولا حجة لهم فيه؛ لأنها ضرورة، أو يكون
" مقالتها" منصوبًا بفعل مقدر، كأنه قال: ولم أكن لأسمع مقالتَها، وأسمع
الثاني دليل عليه، فليس منصوبا بأسمعا الثاني.
=========
أما لام الجحود عند البصريين فهي لام
الجر؛ إذ نفس الحرف لا يعمل عملين هما الجر والنصب!!، والناصب حينئذ للمضارع هو أن
المضمرة وجوبا، والمصدر المؤول من "أن والفعل المضارع" في محل جر بلام
الجر، متعلق بمحذوف خبر كان أو يكون، أي: وما كان الله مريدا لإضاعة إيمانكم.
مثلا قوله: "لم أكن لأسجدَ".
أكن: فعل مضارع ناقص مجزوم بلم، واسم
أكن: ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا.
لأسجدَ: اللام: هي لام الجحود، وأسجدَ:
فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، و "أن المضمرة
والفعل المضارع" في تأويل مصدر في محل جر بلام الجر، متعلق بمحذوف خبر أكن،
وهذا الخبر المحذوف هو الذي تسلط عليه النفي، أي: "لم أكن مريدا
للسجود"، والدليل على أن النفي متسلط على الخبر المحذوف أنه ربما صُرِّحَ به،
كما في قول الشاعر:
سَمَوْتَ وَلَمْ تَكُن أَهلًا
لِتَسْمُو *** ولكِنَّ المُضَيَّعَ قد يُصَابُ
----------------------
قلتُ:
والدليل على أن الناصب هو أن المضمرة
أنه يُلتزم حذفُها مع اللام، أو ذكرُها وحذفُ اللام، ولا يجتمعان البتة فيما أعلم،
فتقول: "ما كان زيدٌ ليأتيَ"، وتقول: "ما كان زيد أن يأتيَ"،
كما قال -تعالى-: ﴿وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى ﴾ [يونس:37]، ولا
يجتمعان فتقول: "ما كان زيد لأن يأتي"، خلافا لما ذهب إليه بعض الكوفيين
من اجتماعهما على سبيل التوكيد؛ إذ ليس لهم في ذلك سماع.
أما ابن مالك -رحمه الله- فقد جمع بين
المذهبين؛ فجعل الناصب هو "أن المضمرة وجوبا" فوافق بذلك البصريين، وجعل
"الجملة من الفعل وفاعله بعدها هو خبر كان أو يكون" فوافق بذلك الكوفيين.
واعلم أنه ربما حُذف "كان أو
يكون" قبل لام الجحود، فتدخل (ما) النافية في اللفظ على اسمٍ هو اسم كان
المحذوفة مع خبرها؛ كما قال أبو الدرداء فِي الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر:
"مَا أَنا لأدعهما " بحذف كان، أي: ما كنتُ لأدعهما، كذا أخرجه القاسم
بن سلام في "غريب الحديث" (4/147)، وقال الشاعر:
فَمَا جَمْعٌ لِيَغْلِبَ جَمْعَ قَومِي
*** مُقَاوَمَةً وَلَا فَرْدٌ لِفَرْدِ
أي: فما كان جمع ليغلب جمع قومي.
===================
مسائل تتعلق بلام الجحود
الأولى: لام الجحود غالبا ما تكون
مكسورة، وقد تُفتح على قلة، وقد حكى أبو زيد أنه سمع بعض العرب يقول: "وَمَا
كَانَ اللَّهُ لَيُعَذِّبَهُمْ" بفتح اللام، وقال النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ:
وَتَأْمُرُنِي رَبِيعَةُ كُلَّ يَومٍ
*** لَأُهْلِكَهَا وأقْتَنِيَ الدَّجَاجَا
الثانية: اسم كان أو يكون إما أن يكون
مضمرا، وإما أن يكون ظاهرا قبل "لام الجحود والفعل"، ولا يجوز البتة أن
يتأخر "اسم كان أو يكون" بعد لام الجحود والفعل، مثلا لا يقال: "ما
كان لِيقومَ زيدٌ"، لكن تقول: "ما كان ليقوم، أو ما كان زيد ليقوم".
الثالثة: الفعل الداخل عليه لامُ
الجحود لا يرفع إلا ضميرَ الاسم السابق لا السببي، فلا يجوز أن تقول: "ما كان
زيد ليقوم أخوه"؛ لأنه سببي، ذكر ذلك أبو حيان في "الارتشاف" عن
ابن هشام الفهري "في كتابه المقرب".
الرابعة: لا تُسبق لام الجحود بغير كان
أو يكون، وقد زعم بعضهم أنها تكون في كل فعل منفي تقدمه فعل؛ نحو: "ما جاء
زيدٌ ليكرمني"، واللغة سماعية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق