ما
كان يروج له في الستينيات والسبعينيات، والثمانينيات من القرن الماضي في بعض أفلام
الكرتون مثل (جريندايزر، والنمر المقنع، ومغامرات الفضاء، وأفلام الخيال العلمي،
ونحو ذلك من كتب الجيب والقصص) هو نفسه ما كانت تخطط له المحافل الماسونية.
فإذا
ضممتَ هذا مع تصريح البيت الأبيض بادعاء وجود كائنات فضائية على كواكب أخرى،
واحتمال وجود حياة للبشر على كواكب أخرى، وفي المجرات الأخرى، فهمتَ القصة وما
فيها.
وقد
بينتُ قديما أن هذه الأفكار إلحادية مأخوذة من بعض العقائد الوثنية القديمة، هذا
في الوقت الذي كان ينكر علي فيه بعضُ من لم يفهم المسألة كما فهمتُها، ولم يطلع
عليها كاطلاعي، ولم يكن قد قرأ فيها ما قرأتُ، فالحمد لله أن بات الأمر واضحا، إذ
السمة العامة الآن أن الناس لا تتقبل هذه الخزعبلات ولو في بعض الجزئيات.
وكنت
وأنا صغير أحيانا ما أسأل أبي -رحمه الله- عن هذه الأمور، حتى سألته ذات مرة وأنا
لم أتجاوز العاشرة !! عن كرة الأرض!! ماذا يحصل لو حفرنا حتى نزلنا إلى أسفلها فهل
نطيح في الفضاء؛ إذ الفضاء محيط بها من جميع الجوانب!!، فإن قال نعم، فسأقول: إذن
السماء فوقنا وتحتنا!، وإن قال: لا، قلتُ: إذن ليست ككرة القدم تسبح في فضاء محيط
بها من جميع النواحي، إلا أن جوابه -رحمه الله- كان: لا أعرف؛ إذ لم يجد ما يقول رحمة الله
عليه، وقد وجدت جواب سؤالي بعد ذلك في القرءان الكريم والسنة النبوية، وقد أجاب عليه بنصه ابن تيمية في
الرسالة العرشية وغيرها من الكتب، ويأتيك آخر سطر في المقال.
حتى
أمي -حفظها الله- وهي شاهدة على ذلك، قالت لي ذات مرة: لا تفكر في هذه الأشياء، وقد كنت كثير
الاعتراض على مدرِّسة العلوم في المرحلة الابتدائية، فيما يتعلق بدوران الأرض حول
الشمس وحول نفسها، وأن دوران الأرض هو سبب الشروق والغروب، لا أن الشمس تشرق
وتغرب، وأن الأرض لا تتحرك بل هي قارة ثابتة ولا تدور في الفضاء، وكان عقلي لا يقبل الثقوب السوداء، والسديم،
وغير ذلك مما كان يدور في عقلي الذي يأبى أن يقبله، حتى كادت أن تمل مني، هذا كله لا لشيء سوى أن عقلي
لم يك يتقبله.
ومثله
ما كنا ندرسه في مدرسة جلال فهمي الصناعية ذات السنوات الخمس المتقدمة، من جاذبية
الشمس، والأرض، وقانون الجاذبية، ونحو ذلك مما درسناه، فلا أدري لماذا لم يك عقلي
يقبله البتة، وظللت أحمل في نفسي هذا الاعتقاد حتى علمتُ فيما بعد أن هذه كانت
فطرتي، وهي نفسها الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
إلا
أننا قد تخطفتنا يد الباطل من جميع النواحي، فسيطروا على الإعلام ليناسب ذلك
الكبير، وعلى الأفلام والسينمات ليناسب الشباب، وعلى أفلام الكارتون ليناسب
الصغير، وعلى مناهج العلوم وبعض الكتب ليناسب الباحثين والدارسين الذين سيحملون قضايا الأمة بعد ذلك، وعلى المسلسلات
ليناسب العوام والكبار، فوضعوا لكلٍّ نفس المنهج كلًّا بما يناسبه.
ولا
يمكن أن يخرج من هذه الشباك إلا مَنْ مَنَّ الله عليه فتعلم وقرأ ودرس وتثقف وتوسع
في المطالعة، أو حافظ على فطرته ولم ينسق وراء ما يسمع.
----------------------------
وهذا
المخطط يُنسف باعتقاد واحد يبدأ من إنكار كرة الأرض التي ككرة القدم = إذ لا يمكن
تحققه على أرض مبسوطة، فالأرض هي محط الأثقال، وأنه مهما سقط شيء من السماء فلا
ينزل إلا على الأرض، لأن الأرض تقابل السماء، والسماء محيطة بها، والمسافة من أي
مكان في الأرض إلى السماء مسافة واحدة من جميع الجهات، وهي سبع طباق بعضها فوق
بعض، فالأولى أعلاها، وهي التي نعيش عليها، وهي سطيحة، والسابعة أسفلها، وفيها
جهنم، وهي أسفل سافلين، وبين كل أرض والتي تليها مسافة. قيل: كما بين السماء
والأرض، وأن في كل أرض منها خلق، لا يعلم حقيقتهم إلا الله تعالى.
وقيل:
إنها سبع أرضين إلا إنه لم يفتق بعضها من بعض، أي مطبقة بعضها على بعض من غير
فتوق.
وقد
خلق الله -جل وعلا- الأرض أولا ثم خلق السموات، وهذا شأن البناء أن يبدأ بعمارة
أسافله ثم أعاليه بعد ذلك.
ومجموع
الأرضين السبع الطباق سطح وعمق، ولذلك يعبر عن ذلك بعض علماء الإسلام كابن تيمية
وغيره بأنها (كرية الشكل، وأنها كالكرة) أرادوا به الجسم المستدير ذي العمق الذي
ينتهي بمركز، لا كرة القدم فافهم، وقد بين ذلك جليا في الرسالة العرشية وفي بعض
ردوده على الفلاسفة.
فقال
في الفتاوى (5/150):
اعْلَمْ
أَنَّ الْأَرْضَ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا كُرَوِيَّةُ الشَّكْلِ وَهِيَ فِي
الْمَاءِ الْمُحِيطِ بِأَكْثَرِهَا؛ إذْ الْيَابِسُ السُّدُسُ وَزِيَادَةٌ
بِقَلِيلِ وَالْمَاءُ أَيْضًا مُقَبَّبٌ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِلْأَرْضِ وَالْمَاءُ
الَّذِي فَوْقَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا
مِمَّا يَلِي رُءُوسَنَا وَلَيْسَ تَحْتَ وَجْهِ الْأَرْضِ إلَّا وَسَطُهَا
وَنِهَايَةُ التَّحْتِ الْمَرْكَزُ؛ فَلَا يَكُونُ لَنَا جِهَةٌ بَيِّنَةٌ إلَّا
جِهَتَانِ: ((الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ)) وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ الْجِهَاتُ بِاخْتِلَافِ
الْإِنْسَانِ. فَعُلُوُّ الْأَرْضِ وَجْهُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَأَسْفَلُهَا
مَا تَحْتَ وَجْهِهَا - وَنِهَايَةُ الْمَرْكَزِ –
((هُوَ الَّذِي يُسَمَّى مَحَطَّ الْأَثْقَالِ)) فَمِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ وَالْمَاءُ
مِنْ كُلِّ وُجْهَةٍ إلَى الْمَرْكَزِ يَكُونُ هُبُوطًا وَمِنْهُ إلَى وَجْهِهَا
صُعُودًا وَإِذَا كَانَتْ سَمَاءُ الدُّنْيَا فَوْقَ الْأَرْضِ مُحِيطَةٌ بِهَا
فَالثَّانِيَةُ كُرَوِيَّةٌ.
وقال
في الرسالة العرشية: (ص 22):
وَهُوَ
أَنْ نَقُولَ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يكون العرش كريا كَالْأَفْلَاكِ، وَيَكُونُ
مُحِيطًا بِهَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَوْقَهَا وليس هو كريا، فَإِنْ كَانَ
الْأَوَّلَ، فَمِنْ الْمَعْلُومِ بِاتِّفَاقِ مَنْ يَعْلَمُ هَذَا أَنَّ الأفلاك
مستديرة كرية الشَّكْلِ، ((وَأَنَّ الْجِهَةَ الْعُلْيَا هِيَ جِهَةُ الْمُحِيطِ،
وَهِيَ الْمُحَدَّبُ، وَأَنَّ الْجِهَةَ السُّفْلَى هُوَ الْمَرْكَزُ، وَلَيْسَ
لِلْأَفْلَاكِ إلَّا جِهَتَانِ: الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ فَقَطْ)).
وَأَمَّا
الْجِهَاتُ الست فهي الحيوان، فَإِنَّ لَهُ سِتَّ جَوَانِبَ، يَؤُمُّ جِهَةً
فَتَكُونُ أَمَامَهُ، وَيُخْلِفُ أُخْرَى فَتَكُونُ خَلْفَهُ، وَجِهَةٌ تُحَاذِي
يَمِينَهُ، وَجِهَةٌ تُحَاذِي شِمَالَهُ، وَجِهَةٌ تُحَاذِي رَأْسَهُ، وَجِهَةٌ
تُحَاذِي رِجْلَيْهِ، وَلَيْسَ لِهَذِهِ الْجِهَاتِ السِّتِّ فِي نَفْسِهَا صِفَةٌ
لَازِمَةٌ، بَلْ هِيَ بِحَسَبِ النِّسْبَةِ وَالْإِضَافَةِ، فَيَكُونُ يَمِينُ
هَذَا مَا يَكُونُ شِمَالُ هَذَا، وَيَكُونُ أَمَامَ هَذَا مَا يَكُونُ خَلْفَ
هَذَا، وَيَكُونُ فَوْقَ هَذَا مَا يَكُونُ تَحْتَ هَذَا.
لَكِنَّ
جِهَةَ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ لِلْأَفْلَاكِ لَا تَتَغَيَّرُ، فَالْمُحِيطُ هُوَ
الْعُلُوُّ وَالْمَرْكَزُ هُوَ السُّفْلُ، مَعَ أَنَّ وَجْهَ الْأَرْضِ الَّتِي
وَضَعَهَا اللَّهُ لِلْأَنَامِ، وَأَرْسَاهَا بِالْجِبَالِ، هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ
النَّاسُ وَالْبَهَائِمُ وَالشَّجَرُ وَالنَّبَاتُ، وَالْجِبَالُ وَالْأَنْهَارُ
الْجَارِيَةُ.
((فَأَمَّا
النَّاحِيَةُ الْأُخْرَى مِنْ الْأَرْضِ فَالْبَحْرُ مُحِيطٌ بِهَا))، وَلَيْسَ
هُنَاكَ شَيْءٌ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَمَا يَتْبَعُهُمْ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ
هُنَاكَ أَحَدًا لَكَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَكُنْ مَنْ فِي هَذِهِ
الْجِهَةِ تَحْتَ مَنْ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ، وَلَا مَنْ فِي هَذِهِ تَحْتَ مَنْ
فِي هَذِهِ، كَمَا أَنَّ الْأَفْلَاكَ مُحِيطَةٌ بِالْمَرْكَزِ، وَلَيْسَ أَحَدُ
جَانِبَيْ الْفَلَكِ تَحْتَ الْآخَرِ، وَلَا الْقُطْبُ الشَّمَالِيُّ تَحْتَ
الْجَنُوبِيِّ، وَلَا بِالْعَكْسِ.اهــ
ولذلك
كثيرا ما تجد في القرءان الكريم (السموات والأرض وما بينهما)، فثمة سموات وأرضون
وما بينهما، فالسماء أعلانا، والأرض أسفلنا، وما بينهما.
وهذا
الأنموذج لا يتحقق عليه شيء من نظام كوبرنيكوس، أو ممن تأثروا به، من أمثال: توماس
ديجز، وجوردانو برونو، وإسحاق نيوتن، وغيرهم ممن ادعى: أن الكون لا نهائي، وأن
الشمس مركز الكون، وأنها أكبر من الأرض، والأرض تسبح في فضاء لا نهائي، وغير ذلك
مما صرح به الفلاسفة والملاحدة الذين لا علم لهم بالشرائع والإلهيات.
وهذا
الاعتقاد لم يكن موجودا في شيء من الشرائع المنزلة، ولذلك اعتمده الماسون ونشروه
في جميع مناحي الحياة، فبات الناس لا يعرفون غيره، ويحسبون أن من لا يقول به رجعي
متخلف زنديق جاهل مخالف لما هو معلوم من العلوم بالاضطرار، إلا أن الطامة الكبرى
أن يرقع له بعض من يقول عن نفسه: عالم من علماء الإعجاز العلمي بالقرءان الكريم.
------------------------
حتى
ظهر من يضاد هؤلاء من أصحاب نظرية الأرض المسطحة، واعتقدوا لها شكلا غريبا، نعم
صحيح في الجملة، فالأرض لها سطح، وقد صرح غير واحد من العلماء بأن الماء يحيط بها
من جميع الجهات كما سبق في كلام ابن تيمية، وبعض الجبال المسماة بسلسلة جبال قاف،
وتأولوا قوله تعالى: (ق)، وقوله تعالى(والبحر يمده من بعده سبعة أبحر) على ذلك،
روي نحوه عن ابن عباس وغيره بأسانيد لا تثبت بحال، وأخذوا بعض ذلك عن بني إسرائيل،
وعن بعض الرحالة العرب وغير العرب، وهذا لا ننازع فيه، إذ سواء كان صحيحا أو لا،
فهم لم يحيدوا في الجملة عن أن لها سطحا، وليست ككرة القدم، لكنهم حسبوا أن ما ورد من
قديم الخرائط كخريطة ابن حوقل، والإدريسي، وغيرهما، هو في نفسه شكل الأرض! نعم هو
وصف للسطح، وإلا فأين المركز؟!!، وهذا منشأ الخطإ عندهم.
وقلت
دائما: الأرض أعظم من أن يحيط بشكلها إنس ولا جان.
فليست
الأرض ككرة القدم، وليست كالأرض المسطحة التي يروج لها أصحاب نظرية الأرض المسطحة
اليوم، والتي انتشرت صورها على مواقع الانترنت، فهؤلاء جميعا مجانبون للصواب، إلا
إن أصحاب نظرية الأرض المسطحة العوام منهم من عوام المسلمين أهدى سبيلا؛ إذ يرجعون
للقرءان والسنة، ويعتقدون تسطيحها في الجملة، فهم معظمون للنصوص، وإن أخطأوا في
بعض الجزئيات.
----------------------------------
ومما
تفرع على هذا= إنكار علو الله عند بعض المعاصرين!! نعم لا تستغرب، إنكار العلو له
ارتباط في بعض الجزئيات بشكل الكون!، وقد بين ابن تيمية هذا، ورد على شبهة = لماذا
نتوجه للعلو، والله محيط بخلقه بائن عنهم، وبين بيانا واضحا شافيا في (الرسالة
العرشية) أن هذا متوهم (لِتَوَهُّمِ الْمُتَوَهِّمِ أَنَّ نِصْفَ الْفَلَكِ
يَكُونُ تَحْتَ الْأَرْضِ، وَتَحْتَ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ
الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ، وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ، فَلَوْ كَانَ الْفَلَكُ
تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْ جِهَةٍ لَكَانَ تَحْتَهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، فَكَانَ
يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْفَلَكُ تَحْتَ الْأَرْضِ مُطْلَقًا، وَهَذَا قَلْبٌ
لِلْحَقَائِقِ، إذْ الْفَلَكُ هُوَ فَوْقَ الْأَرْضِ مُطْلَقًا.
أَهْلُ
الْهَيْئَةِ يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّ الْأَرْضَ مَخْرُوقَةٌ إلَى نَاحِيَةِ
أَرْجُلِنَا وَأُلْقِيَ فِي الْخَرْقِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ كَالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ
لَكَانَ يَنْتَهِي إلَى الْمَرْكَزِ).اهـ
قلت:
أما علماء الإسلام فبينوا أنه لو وقع حجر لاستقر في المركز، وقد ورد منطوقا في
حديث النبي صلى الله عليه وسلم، أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كُنَّا
مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً، فقال: «هَلْ تَدْرُونَ
ما هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ ورسولُهُ أَعْلَمُ. قال: «هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ به في
النَّارِ مُنْذُ سبْعِينَ خَرِيفًا، فهو يَهْوِي فِي النَّارِ الآنَ حتى انتهى إلى
قَعْرِهَا فَسَمِعْتُمْ وَجْبَتَهَا».
فُسمع
صوت اضطراب النار من نزول الحجر إليها حين وصل لقعرها، فافهم.
فكان
هنا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جواب ابن تيمية على منطوق السؤال جواب
السؤال الذي سألته لأبي منذ أكثر من ثلاثين سنة، والحديث ذو شجون.
محبكم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق