الاثنين، 19 نوفمبر 2018

حكم اللعب بالشطرنج



يقول أحد الإخوة: ما حكم اللعب بالشطرنج بارك الله فيكم؟
================
ج: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما بعد
فقد اختلف العلماء في حكم اللعب بالشطرنج على أربعة أقوال:


القول الأول:
تحريم اللعب به، وهو قول جماهير أهل العلم من السلف والخلف، روي تحريمه عن علي رضي الله عنه، وابن عباس، وابن عمر، وأبي موسى الأشعري، وأبي سعيد الخدري، وهو المذهب عند المالكية والحنابلة، وهو اختيار الروياني والحليمي من الشافعية.


واختلف أصحاب هذا القول في العلة التي من أجلها حُرم الشطرنج على أقوال:
فذهب بعضهم إلى أنه محرم للنص الوارد عن علي رضي الله عنه، ورُوي نحوه عن بعض الصحابة، قالوا: ولا يُعلم لهما مخالف من الصحابة.

وذهب آخرون إلى أنه محرم بالقياس على النرد.
وقال بعضهم: بل هو شر من النرد، وهو مروي عن ابن عمر.
وذهب قوم إلى تحريمه لأنه من الميسر، وقالوا: هو أحد أفراد العام في قوله -تعالى-: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ". وهو مروي عن علي رضي الله عنه

وقال قوم: هو محرم لذلك كله.
=================
القول الثاني:
أنه مكروه
وهو المعتمد في المذهب، وبه قال الأحناف، غير أن الكراهة عند الأحناف مغلظة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
واختلف أصحاب هذا القول في علة القول بالكراهة على قولين:

أحدهما: مكروه لأنه ضرب من اللهو واللعب، غير أنه يُشغل عن ذكر الله، ويشحذ الأذهان في غير ما هو نافع، واستدل هؤلاء بحديث جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعليم السباحة". رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد.


والآخر: مكروه لما يُحدث من الخلاعة، غير أنه يؤدي إلى الغباء والبلادة !!.
وقال أصحاب هذا القول: لم يرق إلى التحريم لأنه لم يرد فيه نص من قرءان، أو سنة صحيحة؛ إذ كان الشطرنج موجودا على أيام النبي صلى الله عيه وسلم ولم يأت فيه حديث صحيح واحد، وجميع ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك ضعيف لا يرقى لدرجة الاحتجاج.


قالوا: وأما ما ورد عن علي فهو مرسل ضعيف لم يصح، وما ورد عن غيره من الصحابة فهو محمول على أنه كان على عوض، أو ورد النهي عنهم على سبيل التغليظ فيه، وهو ما نقول به من القول بالكراهة، لا أنه محرم.


==================
القول الثالث:
الإباحة
وبه قال بعض السلف؛ روي عن أبي هريرة، وهشام بن عروة، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن جبير، والشعبي، وبهز بن حكيم، وإبراهيم الهَجري، أخرج هذه الآثار بعضها عبد الرزاق في المصنف، والشافعي في المسند، والبيهقي في السنن الكبرى.


وقال به من الأحناف أبو يوسف، وهو قول عند المالكية والشافعية


واحتج أصحاب هذا القول بأن الأصل في الأشياء الإباحة، وأما ما ورد عن الصحابة من النهي عنه فهو محمول على أنه كان قد اشتمل على بعض المحرمات، أو بعض المكروهات، ونحن نقول: هو مباح أصله.


=================
القول الرابع:
أنه قد يكون مكروها، وقد يكون محرما، وإليه مال شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض كتبه.


=================

قلت أبو زياد:

وسبب اختلاف العلماء في تحريم الشطرنج لا سيما من لم يحتج منهم بالنص هو مبني على مسألة أخرى، ألا وهي:


هل الأصل في اللعب واللهو هو التحريم إلا ما ورد مستثنى منه، أم الأصل فيه الكراهة، أم الإباحة، هي أقوال ثلاثة:


فالتحريم قال به متأخرو الأحناف، وكأن الخطابي مال إليه في المعالم.

والكراهة قال به الأصحاب، وهو المعتمد في المذهب.

والثالث: قال به البخاري، وكثير من أئمة المذاهب الأخرى، وهو المعمول به الآن، لا سيما وقد جعله بعضهم من العادات.


وعلل بعضهم: بأن الأصل في اللهو الكراهة إلا إذا كان معينا على قتال أو كان له فيه مقصد حسن فهو مستحب.


وقال بعض الحنابلة: اللهو واللعب إن كان له فيه مقصد حسن فهو مباح، ذكره الشيخ ابن مفلح في الفروع، وهو ما يقول به بعض مشايخنا من الحنابلة.


فالذين قالوا: بالتحريم، لزمهم القول بتحريم الشطرنج؛ لأنه لم يستثن من نص.
والشافعية لم ينقضوا أصلهم؛ لأنهم قالوا بكراهته.
ومن قال الأصل في اللعب الإباحة لزمه القول بإباحته، إلا إذا رأى ما يراه أصحاب القول الأول.

==================
والحق:
أن للشطرنج أحوالا:


الأولى: أن يكون الإنسان غير معتنٍ به، لكنه قد يلعب به نادرا، فلا يشغل باله، ولا يضيع فيه وقته، ولا يشحذ الشطرنج ذهنه، فالقول بأنه مباح هو الصواب، لا سيما إن قلنا: الأصل في اللهو الإباحة، فإن كان له فيه مقصد حسن فهو مباح كذلك.


الثانية: أن يعتني به الإنسان دائما، ويتردد على اللعب به، غير أنه لا يضيع به واجبا، ولم يشتمل على شيء من المحرمات، فهو حينئذ مكروه؛ لأنه يؤدي إلى تضيع الوقت في غير ما هو نافع، ويؤدي إلى الغباء والبلادة إن أكثر المرء من اللعب به.


لا سيما على قول: إن الأصل في اللهو الكراهة.


الثالثة: أن يكون مشتملا على شيء محرم، كاللعب على عوض أو قمار، أو أدى إلى شحناء وتباغض وفرقة بين المسلمين، أو ضيع به واجبا كالصلوات، فهذا يكون محرما عند جميع العلماء.


والله أعلم
وكتب / أبو زياد محمد سعيد البحيري
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمؤمنين


هناك 3 تعليقات:

  1. جزاكم الله خيرا على هذا التفصيل.

    ردحذف
  2. جزاك ربي خيرا شيخنا الكريم و بارك الله فيك

    ردحذف