الثلاثاء، 24 أبريل 2018

هل يجوز فصل المضاف عن المضاف إليه؟



سؤال من أحد الإخوة:
سؤال في النحو لو سمحت.. هل يجوز فصل المضاف عن المضاف اليه ... مثلا هل نقول: «لقيتُ عمَّ وجَارَ زيدٍ»، أم الأصح أن نقول: «لقيت عَمَّ زيدٍ وجارَهُ».
==================================
ج: حياك الله أخي.
هما مسالتان:
الأولى: مطلق الفصل بين المضاف والمضاف إليه.
والثانية: الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالعطف خاصة على المضاف.
===============================
أما عن الأولى فقد ذهب جماهير النحاة إلى أن الفصل بين المضاف والمضاف إليه شاذ، لا يجوز إلا في ضرورة الشعر؛ كما في قول الشاعر:
فَسُقْنَاهُمْ سَوْقَ البُغَاثَ الأَجَادِلِ

وذهب بعضهم إلى أنه ليس بشاذ، بل مقيس.

 واختار بعض النحاة كابن مالك أنَّ منه ما يكون جائزا في الشعر والنثر، ومنه ما لا يجوز إلا في الشعر، وأنه درجات من حيث الشهرة والندرة، وذكر تلك الحالات في "شرح التسهيل" تبعا للسيرافي في "شرحه على كتاب سيبويه"، واختار ذلك ابن هشام في "الأوضح"، وأبو حيان في "التذييل" و "الارتشاف"، وغيرهم من النحاة، وتلخيص كلامهم هو:
==============================
أن ما يجوز في الشعر والنثر له ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى:
أن يكون المضاف مصدرا، والمضاف إليه فاعله، وألا يخرج الفاصل عن أن يكون: «مفعولَ المضاف»، كما في قراءةِ ابنِ عامر: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادَهِمْ شُرَكَائِهُمْ.

ففصل ههنا بالمفعولِ الذي هو (أولادهم) بين المضافِ والمضافِ إليه، ومنه البيت المتقدم.

أو أن يكون ظرفَهُ؛ نحو قول القائل: "تَرْكُ يومًا نفسِك وهواها".
===============================
الحالة الثانية:
أن يكون المضاف «اسم فاعل» متعديا لمفعولين، والمضافُ إليه إمَّا:
مفعوله الأول، والفاصل مفعوله الثاني، كقراءة: "فَلَا تَحْسِبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ".

وكقول الشاعر:
وسِواكَ مَانِعُ فَضْلَهُ المُحتاجِ

وإما‌ ظرفُه؛ كما أَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ:
فَرِشْني بخَيْرٍ لا أكونُ ومِدْحَتي *** كَناحتِ يومًا صَخْرةٍ بعَسيلِ
أي: كناحِتِ صخرةٍ يَوْما.

وإما مجرورٌ يُلحَقُ بالظَّرفِ؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي".

وقال الشاعر:
لَأَنتَ مُعْتَادُ فِي الهَيْجَا مُصابَرَةً *** يصلى بها كلُّ مَن عاداكَ نِيرانا
ففصل بين " معتاد " و" مصابرة " بقوله: " الهيجا ".

ونحوه قول دُرْنا بنت عبعبة:
هما أخوا في الحربِ مَن لا أخا له *** إذا خافَ يومًا نبوةً فدعاهما
أخوا: مضاف مثنى، حذفت نونه للإضافة، والمضاف إليه هو الحربِ، وفصل بينهما بالمجرور.

ومنه قول ذي الرُّمَّة:
كأنَّ أصواتَ مِن إِيغالِهنَّ بنا *** أَواخِرِ المَيْسِ إِنْقَاضُ الفَراريجِ
المضاف: هو أصواتَ، والمضاف إليه: هو أواخر، وقد فصل بينهما بجارين ومجرورين.

==================================
الحالة الثالثة:
أن يكون الفاصل قَسَمًا؛ حكى الكِسائيُّ قول بعضهم: «هذا غلامُ واللّهِ زيدٍ".
وحكى أبو عبيدة سماعا عن بعض العرب قولهم: "إنَّ الشّاةَ لَتَجْتَرُّ فتسمعُ صوتَ واللهِ ربِّها".
=======================
وما لا يجوز إلا في الشعر أربعة:
الأولى:
الفصلُ بأجنبي، وهو معمولُ غيرِ المُضافِ؛ كأنْ يأتيَ:
أ‌- فاعلا لغيرِ المضافِ، كقول الأعشى:
أَنْجَبَ أَيَّامَ والِداهُ بِهِ *** إذْ نَجَلاهُ فَنِعْمَ ما نَجَلا
المضاف هو: أيامَ، والمضاف إليه: إذ نجلاه.

ب‌- أو مفعولا به؛ كقول جرير:
تَسقِي اِمْتِيَاحًا نَدَى المِسْواكَ رِيقَتِها *** كما تَضَمَّنَ ماءَ المُزْنَةِ الرَّصَفُ
أي: نَدَى رِيقَتِهَا المِسْواكَ.

ت‌- أو ظرفًا؛ كما في قول أبي حيَّة النُّميري:
كما خُطَّ الكتابُ بكَفِّ يَوْمًا *** يَهُوديٍّ يُقاربُ أو يُزيلُ
أي: بكَفِّ يَهُوديٍّ يَوْمًا.

وقول عَمرو بن قَميئَة:
لمّا رَأَتْ سَاتِيدَما اِسْتَعْبَرَتْ *** لِلَّهِ دَرُّ اليومَ مَنْ لامَها
أي: لِلَّهِ دَرُّ مَنْ لاَمَها اليَوْمَ.
=================================
الثانية:
الفصلُ بفاعلِ المضافِ، كقولِ الشَّاعر:
مَا إنْ رَأَيْنا لِلْهَوَى مِن طِبِّ *** ولاَ عَدِمْنا قَهْرَ وَجْدٌ صَبِّ
أي: قَهْرَ صَبِّ. ووَجْدٌ هو فاعلُ المضاف.
================================
الثالثة:
الفصلُ بنعتِ المضافِ وهو ضعيف عندهم؛ كقولِ الشاعر:
نَجَوْتُ وَقَدْ بَلَّ المُرادِيُّ سَيْفَه *** مِن ابنِ أبي شيخِ الأباطحِ طالِبِ
أي: من ابن أبي طالبٍ شيخِ الأباطحِ

ومثله قول الفرزدق:
وَلَئِنْ حَلَفْتُ عَلى يَدَيْكَ لَأَحْلِفَنْ *** بِيَمِين أصدقَ مِن يَمِينِكَ مُقْسِمِ
أي: بيمينِ مقسمٍ أصدقَ من يمينك، ففصل بأصدق -وهو نعت يمين- بين "يمين" و "مقسم".
==================================
الرابعة
الفصل بالنداء، وهو مثل ما سبق في الضعف والندور، كقول الشاعر:
وِفاقُ كعبُ بُجَيْرٍ مُنْقِذٌ لك من *** تعجيلِ تَهْلُكة والخُلدِ في سَقَرا
أي: وفاقُ بجيرٍ يا كعبُ.

وكقول الراجز:
كأنّ بِرْذَوْنَ أبا عِصَامِ *** زيدٍ حمارٌ دُقَّ باللِّجام
أي: كأن برذونَ زيدٍ.
============================================
أما عن الثانية:
فالفصل بينهما بالعطف لا يجوز، وما ورد منه في الشعر شاذ أو ضرورة لا يقاس عليه، فلا يجوز أن تقول: "مررتُ بغلامِ وعمِّ زيدٍ"، بل تقول: "مررت بغلامِ زيدٍ وعمِّه"، والله أعلم.

وكتب / أبو زياد محمد سعيد البحيري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق