نحو نَحْوٍ جديد (3)
بناء الفعل المضارع لوقوعه
موقع الأمر
========================
من أحوال بناء الفعل
المضارع -إضافة إلى حالتي بنائه مع اتصاله بنوني التوكيد والإناث- أن يقع موقع فعل
الأمر!!
فإنه حينئذ يبنى الفعل
المضارع على ما يبنى عليه فعل الأمر !!، نحو: «قُلْ لِزَيْدٍ يَضْرِبْ عمرًا، ويَدْعُ
عمرًا»، فوقع كل من «يَضْرِبْ، ويَدْعُ» موقع «اضْرِبْ، وادْعُ».
وكالأفعال: «يقولوا،
ويغفروا، ويقيموا، وينفقوا، ويدنين، ويغضوا، ويحفظوا، ويغضضن» في قوله -تعالى-: ﴿وَقُلْ
لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الإسراء:53].
وقوله -تعالى-: ﴿قُلْ
لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ
قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الجاثية:14].
وقوله -تعالى-: ﴿قُلْ
لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
سِرًّا وَعَلَانِيَةً﴾ [إبراهيم:31].
وقوله تعالى ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ
وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾
الأحزاب (59).
وقوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ
يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ
اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ
وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ النور.
أي: «قولوا التي هي أحسن،
واغفروا للذين لا يرجون أيام الله، وأقيموا الصلاة، وأنفقوا، ويدنين، وغضوا من أبصاركم،
واحفظوا فروجكم، واغضضن من أبصاركن».
فقد وقع كل من: «يقولوا
ويغفروا، ويقيموا، وينفقوا، ويدنين، ويغضوا، ويحفظوا، ويغضضن» موقع: «قولوا، واغفروا،
وأقيموا، وأنفقوا، وادنوا، وغضوا، واحفظوا، واغضضن».
======================
فليس معناه الجزاء.
ودليل ذلك ثلاثة أشياء:
الأول: ليس فيه معنى
الجزاء؛ إذ المضارع المراد به الجزاء يكون مُسَبَّبًا وناتجا عن ذلك الطلب المتقدم،
ولا طلب متقدم هنا يرتبط به الجزاء، مثلا قولك: «قل لزيد يكرمْ عمرًا»، أمر محض يُراد
منه الإكرام، وليس فيه أن الإكرام ناتجا عن القول؛ إذ قد يقول له أو لا يقول، وقد يكرمه
وقد لا يكرمه، بخلاف الجزاء، كقوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ
عَلَيْكُمْ﴾ (الأنعام: 151) فالفعل «أتلُ» مجزوم في جواب فعل أمر دال على الطلب المسبب
عنه الجزاء؛ إذ التلاوة ناتجة عن مجيئهم، ومسببة له!.
والثاني: صحة الإتيان
بالأمر لفظا، وترك المضارع، واستقامة الكلام معنى، كما في قوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ
لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ﴾ [هود:121].
فجيء باعملوا على بابه.
والأخير: العطف على محل
الأمر في المضارع «يضربن» في قوله تعالى «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»
ثم النهى في قوله تعالى «وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ... وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ
لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ» وضد الأمر النهي.
==========================
ووقوع المضارع موقع الأمر
فيه نكتة بلاغية لا يفيدها الأمر، ألا وهي إفادة الامتثال للطلب في كل حال، سواء وقوعه
في الحال أو الاستقبال، أي قل لهم: يقيموا الصلاة دائما، حال توجيه الكلام إليكم، وفي
الاستقبال، ففيه إفادة الحث عليها، وعدم التهاون فيها مطلقا، وهذا مما لا يفيده الأمر!!.
فعض على ذلك المعنى،
فهو معنى نفيس، لم ينتبه إليه أكثر النحاة والبيانيين، وقد بينته بتوسع في حاشيتي على
شرح ابن عقيل على الخلاصة، والمسماة «بالقول الجميل على شرح ابن عقيل»، والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق