الثلاثاء، 20 أبريل 2021

المختصر في فقه الصيام الدرس الرابع (أركان الصوم ومبطلاته)

 



المختصر في فقه الصيام (1)
الدرس الرابع
==============================
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي الأكرم، وصلى الله علي نبينا محمد وسلم، وعلى آله وصحبه ومن أسلم واستسلم.

أما بعد
فما زلنا مع مختصر أحكام الصيام، وقد وقفنا في الدرس الماضي عند أركان الصوم.
=================================
المبحث السابع: أركان الصوم اثنان:
الركن الأول: الزمان.

ويثبت الشهر العربي بأحد أمرين:
الأول: برؤية الهلال وذلك لقوله تعالى ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (185) سورة البقرة.

ولما رواه البخاري ومسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضى الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ».


الثاني: إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما؛ لأن الشهر الهلالي لا يزيد عن ثلاثين يوما، ولا يقل عن تسعة وعشرين، وذلك بالإجماع، ودليل ذلك: ما رواه البخاري ومسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضى الله عنهما- قال:
قَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ».


وما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذَكَرَ رمضان فقال: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ».


وما رواه البخاري عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا». يَعْنِى مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ.


ولمعرفة طرف الزمان طريقان:
الأولى: الرؤية.
فمن رأى الهلال وحده ففَرْضٌ عليه أن يصوم؛ لقوله -تعالى-: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾.

وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته".


والثانية: الخبر.
فالهلال يثبت بخبر الواحد، ولا فرق في ذلك بين هلال شهر رمضان وشوال؛ لما رواه أبو داود في السنن عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنِّى رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ".
الركن الثاني: الإمساك.


وهو الإمساك عن مبطلات الصيام من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، وهي: "عدم تعمد الأكل والشرب، والجماع، والقيء، والاستمناء، والعزم على الفطر، والحيض، والنفاس، والردة، وموت الصائم قبل إتيان وقت الفطر".


وهذا هو المبحث القادم
======================================
المبحث الثامن: مبطلات الصيام.
وهي قسمان:
القسم الأول: ما يُبطل الصيامَ ويوجب القضاءَ فقط، وهي كل المفطرات إلا الجماع.
القسم الثاني: ما يُبطل الصيامَ ويوجب القضاءَ والكفارةَ وهو الجماع فقط.
==================================
أما القسم الأول:
فالمبطل الأول منها: تعمد الأكل والشرب.
فمن أكل أو شرب متعمدا فقد فَسَدَ صومُه بالقرءان والسنة والإجماع.
فمن القرءان قوله -تعالى-: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ﴾ (187) سورة البقرة.


ومن السنة ما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِى بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي».


وأما الإجماع فقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على تحريم الأكل والشرب وأن من أكل أو شرب متعمدا فقد بطل صومه؛ كابن المنذر، وابن عبد البر، وغيرهما.
==========================
تنبيه
قولنا: إن الأكل والشرب يبطلان الصيام يدخل في ذلك التدخين؛ لأنه شرب يدخل من المدخل المعتاد للطعام والشراب ويمر عن طريق الحلق والبلعوم فينعقد أجراما وأجساما داخل الرئتين، ويتضح الأمر أكثر ما إذا نفخ هذا الدخان على الثياب أو المناديل الورقية.


أما قول بعض المجانين بأن من شرب أربع سجائر أو خمسا لا يفطر بذلك، فإن شرب أكثر من ذلك أفطر!! فهذه فتوى لا تخرج إلا من حشاش، ولا أستبعد من هؤلاء أن يقولوا: السجائر المصرية لا تفطر؛ لأنها من صنع بلدنا؛ بخلاف المستورد فهي تفطر، فالكليوباترا مثلا لا تفطر، بخلاف الكينت فإنها تفطر، وإلى الله المشتكى.
=============================
المبطل الثاني: الردة.
فمن ارتد عن الإسلام عياذا بالله أثناء وقت الصوم فقد بطل صومه بذلك ولو عاد إلى الإسلام قبل غروب الشمس، وقد أجمع العلماء على ذلك؛ وذلك لقوله -تعالى-: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (65) سورة الزمر، وقوله تعالى ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ (88) سورة الأنعام , وقوله تعالى ﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ (54) سورة التوبة.
====================================
المبطل الثالث: تعمد القيء.
فمن تعمد القيء بطل صومه؛ لما رواه أحمد في مسنده عن ثوبان -رضى الله عنه- قال: "رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ ".


وما رواه أحمد أيضا عن فضالة -رضى الله عنه- قال: "خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي يَوْمٍ كَانَ يَصُومُهُ قَالَ: فَدَعَا بِمَاءٍ فَشَرِبَ فَقُلْنَا لَهُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَ هَذَا الْيَوْمُ كُنْتَ تَصُومُهُ قَالَ أَجَلْ وَلَكِنِّي قِئْتُ".


وقاء وقئت هنا بمعنى استقاء، فهو مما ساوى فيه بناءُ «فَعَلَ» بناءَ «استفعل».

والدليل على ذلك أيضا ما رواه أحمد كذلك عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: "اسْتَقَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَفْطَرَ فَأُتِيَ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ".


فالظاهر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استقاء عمدا من مرض أو تعب أصابه.
===================================
المبطل الرابع: الاستمناء.

وهو إخراج المنيِّ بغير جماعٍ؛ كإخراجه باليد أو غيرها استدعاءً للشَّهوة , ويكون الاستمناء من الرَّجل والمرأة , ويقع الاستمناء ولو مع وجود حائل.


أولا: الاستمناء محرم لقوله -تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)﴾ سورة المؤمنون.


والعادون هم الظالمون المتجاوزون، فلم يبح اللّه -سبحانه وتعالى- الاستمتاع إلا بالزوجة والأمة، وحرم غيرَ ذلك، وجعله من الاعتداء.


ولقوله- تعالى- ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ (33) سورة النور.


أي: وليستعففوا عن الزنا والاستمناء واللواط وكل شهوة متعلقة بالفرج.
ولقوله -تعالى-: " قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ " النور (30).


ومن حِفْظِ الفرج عدم الاستمناء.


ولقول الرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ".


ولو كان الاستمناء حلالا لأرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ أنه في الظاهر أفضل في تسكين الشهوة من الصيام، فكونه عدل عنه -صلى الله عليه وسلم- إلى غيره في معرض الرخصة علمنا أنه ما تركه إلا لتحريمه.



ثانيا: الاستمناء من مفسدات الصيام؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن الرب -جل جلاله-: «يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِى».


فقوله -تعالى-: "وشهوته من أجلى" مفرد أضيف إلى الضمير فعم جميع أنواع الشهوة، والاستمناء منها، إلا ما دل الدليل على أنه ليس من الشهوة التي تبطل الصيام، كالقبلة، والمباشرة، ونحو ذلك، فهذا كله قد فعله النبي وهو صائم، فعلمنا حينئذ أنه ليس من الشهوة التي تبطل الصيام، بخلاف الاستمناء فهو داخل في عموم النص.


_________________________________________
وعندي دليل آخر على بطلان الصوم بالاستمناء لم أجد من ذكره من أهل العلم وهو:

أن الاحتلام كان يبطل الصومَ في بدء الأمر، وقد كان أبو هريرة يفتى ببطلان صوم من احتلم في نهار رمضان، كما أخرج ذلك مسلم في صحيحه، ومالك في الموطإ، وغيرهم، ثم نُسِخَ ذلك برجوع أبي هريرة عن ذلك، كام عند النسائي في السنن، وانعقد الإجماع بعد على أن الاحتلامَ لا يُبطل الصومَ، فنأخذ من هذا فائدة خفيت على الكثير من أهل العلم، وهي أن نزول المني للصائم كان يبطل الصومَ على كل حال، سواء قصد الصائمُ ذلك أو لم يقصده، ثم نُسِخَ ذلك في حق من احتلم؛ لأنه نزل منه بغير قصد، وبقي مُفَطِّرًا في حق من استدعاه عمدا !!، وهذا فيه رد على ابن حزم وغيره.


ولذلك لم يأت عن أحد من الصحابة أنه قال: إن الاستمناء لا يفطر؛ لأن هذا لا يحتاج إلى دليل خاص، فقد كان معروفا عندهم لدخوله تحت عموم الشهوة، حينئذ يكون الاستمناء مفطرا بالإجماع، فعض على هذا، والله أعلم.

===========================
المبطل الخامس: الموت.
والدليل على أن الموت يبطل الصوم ما رواه مسلم في صحيحه عن أبى هريرة -رضى الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ».


وقد يقول قائل: هل من شك أن الموت يبطل به الصيام، فلماذا تذكره؟
قلت: هناك بعض الناس -هداهم الله- إذا مات فيهم أحدٌ في صيام تطوع صاموا عنه باقي اليوم، وهذه بدعة مصرية في بعض قرى مصر، بل بعضهم يقضي عنه باقي شهر رمضان إذا مات فيه.
============================
المبطل السادس: العزم على الفطر.
فمن عزم على الفطر بطل صومه وإن لم يأكل، لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات"
=======================================
المبطل السابع: وجود الحيض أو النفاس.
فمتى وجد الحيض والنفاس بطل بهما الصوم ولو في آخر لحظة قبل الإفطار؛ لما ثبت في الصحيحين عن أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ».
=====================================
تنبيه:
جميع هذه المبطلات تبطل الصيام وتوجب القضاء، والدليل على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ"
ووجه الدلالة: أنه إن أكل أو شرب متعمدا فعليه القضاء بمفهوم المخالفة!!.
==================================
وأما القسم الثاني: فتحته مبطل واحد وهو الجماع، وهو يوجب القضاء والكفارة.
وتعمد الجماع مفسد الصيامَ للرجل والمرأة، أنزلا أو لم ينـزلا، وذلك بالقرءان والسنة والإجماع.


فمن القرءان قوله تعالى ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ﴾ (187) سورة البقرة


ومن السنة ما رواه البخاري ومسلم عن أبى هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- قَالَ: " بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبي-صلى الله عليه وسلم- إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ «مَا لَكَ». قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا». قَالَ لا. قَالَ «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ». قَالَ لا. فَقَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا». قَالَ لا. قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِىَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ - وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ - قَالَ «أَيْنَ السَّائِلُ». فَقَالَ أَنَا. قَالَ: «خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ». فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا - يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ - أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ».


وأما الإجماع
فنقله كثير من أهل العلم مثل " ابن المنذر، وابن حزم، وغيرهما".
========================
ويلزم مَنْ جامع زوجه في نهار رمضان أن يتوب من هذه المعصية، وأن يقضي يوما مكانه، وأن يكفر عن ذلك على الوجه الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلزمه أن تكون الكفارة مرتبة " عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يجد أطعم ستين مسكينا".


أما المرأة فعليها القضاء فقط دون الكفارة إن طاوعته، فإن أرغمها على الجماع فليس عليها شيء، لا قضاء ولا كفارة؛ لأنها مكره، والمكره مرفوع عنه القلم.
=====================
وهناك شروط لمن تجب عليه الكفارة، وهي:
1 _ أن يكون ممن يلزمهم الصوم، وهم: المسلم، البالغ، العاقل، المقيم، القادر عليه.
2 _ ألَّا يكون هناك مبيح للفطر، كما لو كان على سفر هو وزوجه.
3 _ أن يكون الجماع في الفرج.
4 _ أن يكون قادراً على الكفارة، فلا تلزم غير المستطيع، وتسقط الكفارة عنه بالإعسار.
5 _ العمد، فلا كفارة على الناسي لقوله -تعالى-: " رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا".
6 _ الاختيار، فلا كفارة على مكره؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِى الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ".
7 _ أن يكون عالما بتحريم الجماع في نهار رمضان، فجاهل هذا الحكم لا كفارة عليه، وهذا لا يُتصور إلا ممن كان حديث عهد بإسلام، أو من نشأ ببداية بعيدة.
============================
تنبيه
كل هذه المبطلات لا يَفسد به الصوم إلا عن عمد، فالناسي ليس عليه شيء، لقوله النبي -صلى الله عليه وسلم- "مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ".
وكذلك المكره للحديث المتقدم.
============================
هذا الدرس الرابع، وفي الدرس القادم إن شاء الله -جل وعلا- نشرع في المبحث التاسع، وهو أقسام المفطرين.
==============================
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
وكتب / أبو زياد محمد سعيد البحيري
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمؤمنين
======================
1- من كتاب "خلاصة الكلام في فقه الصيام"، وهو مختصر كتاب "الإلمام بأحكام الصيام" وهو موسوعة في فقه الصيام في ست مجلدات، كتبته سنة (2007).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق