الدرس الثالث
==============================
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي الأكرم، وصلى الله علي نبينا محمد وسلم، وعلى آله وصحبه ومن أسلم.
أما بعد
فما زلنا مع مختصر أحكام الصيام، وقد وقفنا في الدرس الماضي عند المبحث الرابع وهو أقسام الصوم.
=================================
المبحث الرابع: أقسام الصوم
أقسام الصوم ثلاثة
القسم الأول: الصيام الواجب، وهو أربعة أقسام:
1 – شهر رمضان
2 – قضاء رمضان
3 – صوم الكفارات والفدية
4 – صوم النذر
والذي يأتي معنا ههنا هو القسم الأول، وهو صيام شهر رمضان، وهو واجب الزمان والوقت.
وصيام شهر رمضان فرض بالكتاب والسنة والإجماع
فمن الكتاب قوله -عز وجل-: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "، وقوله -عز وجل-: " فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ"
ومن السنة:
1 – ما رواه البخاري في صحيحه عن طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: أنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنَ الصِّيَامِ فَقَالَ: «شَهْرَ رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا».
2 – وروى البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما– قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».
وأما الإجماع:
فقد أجمعت الأمة على وجوب صيام شهر رمضان وأنه ركن من أركان الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة، بحيث لو أنكر أحدٌ وجوبَه وجحده لكفر كفرًا أكبر ناقلا عن الملة.
========================================
المبحث الخامس: شروط وجوب الصوم خمسة
الشرط الأول: الإسلام
فلا يجب الصوم على الكافر، ولا يصح منه؛ لقوله -تعالى-: "وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ".
وقوله -تعالى-: " وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ".
الشرط الثاني: البلوغ
فلا يجب الصوم على الصبي الذي لم يبلغ الحلم؛ لما رواه أحمد عن عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ».
وعلامات البلوغ هي:
1 - إنزال المني باحتلام أو بغيره.
2 - نبات شعر العانة.
3 - بلوغ خمس عشرة سنة.
وتزيد الأنثى على الذكر بالحيض والحمل.
الشرط الثالث: العقل
فلا يجب الصوم على المجنون؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رفع القلم عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ".
الشرط الرابع: القدرة عليه.
فلا يجب الصوم على غير القادر؛ لقوله -تعالى-: "وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ".
الشرط الخامس: الإقامة.
فلا يجب الصوم على المسافر؛ لقوله -تعالى-: "وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ".
==================================
المبحث السادس: شروط صحة الصوم سبعة
الشرط الأول: الإسلام
فلا يصح الصوم من الكافر، ولا يقبل منه؛ ذلك لقوله -عز وجل-: " وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ"، ولقوله -تعالى-: "وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ ".
الشرط الثاني: العقل.
فلا يصح الصوم من المجنون؛ لأنه ليس ممن طولبوا بالصيام، ذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رفع القلم عن المجنون حتى يعقل"؛ ولأنه لا نية له، والأعمال بالنيات، وإذا كان لا نية له علمنا أنه صام لم يصح ذلك منه.
الشرط الثالث: النية.
والنية في اللغة: القصد والاعتقاد، وتُطلق على القصد كثيرا.
وفي الشرع: عزم القلب على فعل الشيء.
وهي شرط في صحة الصيام؛ ذلك أن كل عبادة لا بد لها من نية، فيلزم الصائم أن ينوي لكل يوم نية معينة، ثم يلزمه أن تكون هذه النيةُ مبيتةً من الليل؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة، ولأنه يتخلل كلَّ يوم ما ليس من جنس الصوم، ولا يُكتفى بنية واحدة من أول الشهر.
والأدلة على ذلك:
1- قوله -تعالى-: "وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى"، وقوله تعالى " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء ".
2- ما رواه الشيخان عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضى الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».
3- ما رواه أحمد والترمذي عن حفصة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ مِنْ اللَّيْلِ" وقد اختلف في صحته مرفوعا، والصحيح أنه موقوف.
ولفظ الترمذي: "مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ"، ولفظ النسائي والدارمي والبيهقي: "مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ".
ولا فرق في ذلك بين الفرض والنفل؛ لعموم الأدلة، أما كونه -صلى الله عليه وسلم- قد قال لعائشة: "هل عندنا من شيء" ثم قال: "فإني إذن صائم". فقد ورد في بعض الروايات كما في رواية مسلم وعبد الرزاق وغيره أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لقد أصبحت صائما، وكنت قد فرضت الصيام" فدل ذلك على أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يبيت النيةَ من الليل.
الشرط الرابع: التمييز.
فلا يصح الصوم من غير المميز؛ لأنه لا قصد له، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات".
وحد التميز هو سن السابعة؛ وذلك لما رواه أبو داود في "سننه" عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ إِذَا بَلَغُوا سَبْعًا وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا إِذَا بَلَغُوا عَشْرًا وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ».
الشرطان الخامس والسادس: انقطاع دم الحيض والنفاس.
فلا يصح صوم الحائض والنفساء، ولو صامتا لما صح منهما، ويحرم عليهما ذلك وهذا كله بالإجماع المتيقن، لما ثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ».
الشرط السابع: الوقت القابل للصوم
فلا يصح الصيام إلا فيه، فلو صام الإنسان من المغرب إلى الفجر لم يصح ذلك منه، وكذلك إذا صام في الوقت المنهي عنه، كما لو صام يومي الفطر والأضحى لم يصح ذلك منه؛ ذلك أن الوقت غير قابل للصوم.
============================
هذا الدرس الثالث، وفي الدرس القادم إن شاء الله جل وعلا نشرع في المبحث السابع، وهو ركنا الصوم.
==============================
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
وكتب / أبو زياد محمد سعيد البحيري
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمؤمنين
======================
1- من كتاب "خلاصة الكلام في فقه الصيام"، وهو مختصر كتاب "الإلمام بأحكام الصيام" وهو موسوعة في فقه الصيام في ست مجلدات، كتبته سنة (2007).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق