سؤال من أحد الإخوة يقول فيه:
أحسن الله إليكم
اشكل علي قول فضيلتكم "تأتي البقرة وآل عمران حقيقة"
للحديث المعروف عند مسلم
فهل قولنا "تأتيان هاتان السورتان حقيقة" يلزم أن القرآن
مخلوق؟ إني قرأت ولا يحضرني الآن أين وسمعت أحد المشايخ يقول "تأتي الأجور
المرتبة على هاتين السورتين واذا قلنا أنهما تأتيان حقيقة هذا يلزم ويدل على ان
القرآن مخلوق وهذا باطل كما هو عقيدة المنحرفين المعروفين"
كيف نجمع بين هذه الأقوال اعتقادا ان القرآن كلام الله حقيقة بحرف
وصوت وأن المجاز في القرآن واللغة عموما اذا دلت على ذلك قرينة؟
جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل
====================
ج: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
آمين وأحسن الله إليك أخي الكريم
يا أخي الكريم ليس معنى الحديث أن القرءان كلام الله الذي هو صفته
يأتي ويتكلم !! بل هذا موافق لأصول الجهمية والمتكلمين ومن من يقول بخلق القرءان
أما أهل السنة فلهم قولان:
القول الأول:
أن الحديث على ظاهره، وعند أهل السنة قاعدة أن الآخرة لا تقاس
بالدنيا
والغيبيات لا مدخل للعقل فيها.
والله-جل وعلا- قادر على أن يجعل من الأعراض أجساما.
القول الثاني:
أن ذلك مفسر بثواب السورتين، أي يأتي ثوابهما وهذا قول معتبر، لكنه
ضعيف لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كأنهما غمامتان" وقوله:
"فِرْقَان من طير صَوَافّ" فهذا وصف لنفس السورتين اللتين قرأهما
صاحبهما، فهذا هو فعله وقراءته، لا ثواب السورتين !! فتأمل.
فالصحيح أنهما تأتيان حقيقة، والمراد حينئذ من أن يكونا أجساما أن
الله -جل وعلا- ينشئ من الأعراض أجساما.
قال ابن القيم في "حادي الأرواح" (ص402):
"ولم يهتد الفريقان الى هذا القول الذي ذكرناه وأن الله
سبحانه ينشئ من الأعراض أجساما ويجعلها مادة لها كما في الصحيح عنه تجيء البقرة
وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان الحديث فهذه هي القراءة التي ينشئها الله
سبحانه تعالى غمامتين وكذلك قوله في الحديث الآخر أن ما تذكرون من جلال الله من
تسبيحه وتحميده وتهليله يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل يذكرن بصاحبهن ذكره
احمد وكذلك قوله في حديث عذاب القبر ونعيمه للصورة التي يراها فيقول من أنت فيقول
أنا عملك الصالح وأنا عملك السيء وهذا حقيقة لا خيال ولكن الله سبحانه أنشأ له من
عمله صورة حسنة وصورة قبيحة وهل النور الذي يقسم بين المؤمنين يوم القيامة إلا نفس
إيمانهم أنشأ الله سبحانه لهم منه نورا يسعى بين أيديهم فهذا أمر معقول لو لم يرد
به النص فورود النص به من باب تطابق السمع والعقل "
وقال ابن كثيرفي "تفسيره" (3/ 390):
وَالَّذِي يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قِيلَ:
الْأَعْمَالُ وَإِنْ كَانَتْ أَعْرَاضًا، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
يَقْلِبُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْسَامًا.
قَالَ الْبَغَوِيُّ: يُرْوَى هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا
جَاءَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ "الْبَقَرَةَ" وَ "آلَ
عِمْرَانَ" يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ
-أَوْ: غيَايَتان -أَوْ فِرْقَان مِنْ طَيْرٍ صَوَافّ.
مِنْ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ قِصَّةُ الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ يَأْتِي
صَاحِبَهُ فِي صُورَةِ شَابٍّ شَاحِبِ اللَّون، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟
فَيَقُولُ: أَنَا الْقُرْآنُ الَّذِي أَسْهَرْتُ لَيْلَكَ وَأَظْمَأْتُ نَهَارَكَ
وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ، فِي قِصَّةِ سُؤَالِ الْقَبْرِ: "فَيَأْتِي
الْمُؤْمِنَ شابٌّ حَسَنُ اللَّوْنِ طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟
فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ" وَذَكَرَ عَكْسَهُ فِي شَأْنِ
الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ.
أرجو أن يكون الجوب واضحا
أما الغيبيات وصفات الرب -جل وعلا- فلا مجاز فيها كما بينته مرارا.
والله أعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق