الاثنين، 15 يونيو 2015

تبصير ذَوي العَفَافِ بتَحْرِيمِ شُرْبِ الخُشَافِ



تبصير ذَوي العَفَافِ بتَحْرِيمِ شُرْبِ الخُشَافِ

تبصير ذَوي العَفَافِ (1) بتَحْرِيمِ شُرْبِ الخُشَافِ.

=============

الحمد لله الهادي إلى الحق لا يَهدي إليه سواه، وصَلَّى الله وسلم على رسوله ومصطفاه، محمد صلوات الله وتسليماته عليه، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه واقتفى أثره إلى يوم لقاه.



أما بعد،

فمما لا يَكاد يخفى أن شرب الخُشَافِ أصبح من المُسَلَّمَاتِ عند المسلمين لا سيما في شهر رمضان، فكثير من الناس يشربون الخشاف ويَخلطون فيه التمر بالزبيب وبما تُسمى بالقراصية والتين وغير ذلك مما يُأْكَلُ في رمضان وغير رمضان.



فهل هذا الفعل جائز أو لا؟

أقول والله المستعان ومن على غيره استعان لا يعان:

اختلف العلماء في حكم خلط التمر والزبيب والزهو والبسر وذلك لاختلافهم في فهم الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها:

ـــــــــــــــــ

1-عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أَنَّهُ «نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا، وَنَهَى أَنْ يُنْبَذَ الرُّطَبُ وَالْبُسْرُ جَمِيعًا» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ، فَإِنَّ لَهُ مِنْهُ فَصْلَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ.





2-عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ: «لَا تَنْبِذُوا الزَّهْوَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا، وَلَا تَنْبِذُوا الزَّبِيبَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا، وَلَكِنْ انْبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ» مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ، لَكِنْ لِلْبُخَارِيِّ ذِكْرُ التَّمْرِ بَدَلَ الرُّطَبِ.





وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -«نَهَى عَنْ خَلِيطِ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ، وَعَنْ خَلِيطِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَعَنْ خَلِيطِ الزَّهْوِ وَالرُّطَبِ وَقَالَ: انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.





3 -عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -«نَهَى عَنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا، وَعَنْ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا، يَعْنِي فِي الِانْتِبَاذِ» .رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَفِي لَفْظٍ: «نَهَانَا أَنْ نَخْلِطَ بُسْرًا بِتَمْرٍ أَوْ زَبِيبًا بِتَمْرٍ أَوْ زَبِيبًا بِبُسْرٍ، وَقَالَ: مَنْ شَرِبَهُ مِنْكُمْ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا وَتَمْرًا فَرْدًا وَبُسْرًا فَرْدًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.





4-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَنْبِذُوا التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ جَمِيعًا، وَلَا تَنْبِذُوا التَّمْرَ وَالْبُسْرَ جَمِيعًا، وَانْبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ وَحْدَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.





5-عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أَنْ يُخْلَطَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا، وَأَنْ يُخْلَطَ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ جَمِيعًا»



وَعَنْهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْلَطَ الْبَلَحُ بِالزَّهْوِ». رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.





6 -عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَجْمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَيُنْبَذَا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ الْفَضِيخِ فَنَهَانِي عَنْهُ، قَالَ: كَانَ يَكْرَهُ الْمُذَنِّبَ مِنْ الْبُسْرِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ شَيْئَيْنِ فَكُنَّا نَقْطَعُهُ" رَوَاهُ النَّسَائِيّ.





7 -عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِقَاءٍ فَنَأْخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ فَنَطْرَحُهُمَا، ثُمَّ نَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَنَنْبِذُهُ غُدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً وَنَنْبِذُهُ عَشِيَّةً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ). وهو حديث ضعيف.





ولأجل هذه الأحاديث اختلف العلماء في خلط التمر والرطب بالزبيب والزهو والبسر وغيرها على أربعة أقوال:



================

القول الأول

التحريم، وبه قال عطاء، وطاووس، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وعليه عامة المالكية، وهو رواية عن أحمد، وبه قال بعض الحنابلة، وقد جعل أصحاب هذا القول التحريمَ شاملا لكل ما يَقبل الانتباذ.





قلتُ:

وهؤلاء قالوا بالتحريم لورود النهى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما سبق بيانه في الأحاديث، وعللوا بأن لا صارف يصرفه إلى الكراهة، وعلل بعضُهم: بمنعه من باب سد الذرائع.





القول الثاني:

التحريم إن كان من الأصناف التي وردت في الأحاديث ولا يتعدى إلى غيرها، وهي «التَّمْرُ، وَالرُّطَبُ، وَالزَّهْوُ، وَالْبُسْرُ، وَالزَّبِيبُ»، وبه قال ابن حزم، وقَالَ: سَوَاءٌ خُلِطَ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ مِنْهَا أَوْ فِي غَيْرِهَا، فَأَمَّا لَوْ خُلِطَ وَاحِدٌ مِنْ غَيْرِهَا فِي وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا مَنْعَ كَالتِّينِ وَالْعَسَلِ مَثَلًا.





القول الثالث:

الكراهة، وهو المشهور عند الشافعية، وعليه عامة أصحابهم كما حكاه النووي وغيره، وحملوا النهى الوارد على الكراهة دون التحريم.





القول الرابع:

الإباحة!!!! رُوي عن أبي حنيفة، وأبى يوسف، وعليه عامة أصحابهم.

وقالوا: لَا بَأْس بِهِ؛ لِأَنَّ مَا حَلَّ مُفْرَدًا حَلَّ مَخْلُوطًا !!.





واحتج بعضهم بحديث صَفِيَّةَ بِنْتِ عَطِيَّةَ قَالَتْ دَخَلْتُ مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى عَائِشَةَ فَسَأَلْنَاهَا عَنِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَقَالَتْ كُنْتُ آخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ فَأُلْقِيهِ فِي إِنَاءٍ فَأَمْرُسُهُ ثُمَّ أَسْقِيهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.



لكنَّ الحديث إسناده ضعيف لا تقوم به حجة، فضلا عن معارضته للأحاديث الصحيحة السابق ذكرها، وفي إسناده أبو بحر البكراوي، ضعفه أحمد، والبخاري، ويحيى بن معين.


وفيه علة غير هذه ليس هذا محل بسطها، بينتها في كتاب الإلمام.


قال الخطابي: "ذهب إلى تحريم الخليطين وإن لم يكن الشراب منهما مسكرا جماعة عملا بظاهر الحديث، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق وظاهر مذهب الشافعي، وقالوا: من شرب الخليطين أثم من جهة واحدة، فإن كان بعد الشدة أثم من جهتين وخص النهي بما إذا انتبذا معا.



وخص ابن حزم النهي بخمسة أشياء: التمر، والرطب، والزهو، والبسر، والزبيب قال: سواء خلط أحدهما في الآخر منها أو في غيرها، فأما لو خلط واحد من غيرها في واحد من غيرها فلا منع كالتين والعسل مثلا، وحديث أنس المذكور في الباب يرد عليه".


قال ابن رشد في بداية المجتهد (3/ص28):

"فَإِنَّ الْجُمْهُورَ قَالُوا بِتَحْرِيمِ الْخَلِيطَيْنِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَقْبَلَ الِانْتِبَاذَ. وَقَالَ قَوْمٌ: بَلِ الِانْتِبَاذُ مَكْرُوهٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مُبَاحٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: كُلُّ خَلِيطَيْنِ فَهُمَا حَرَامٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِمَّا يَقْبَلَانِ الِانْتِبَاذَ فِيمَا أَحْسَبُ الْآنَ.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ تَرَدُّدُهُمْ فِي هَلِ النَّهْيُ الْوَارِدُ فِي ذَلِكَ هُوَ عَلَى الْكَرَاهَةِ؟ أَوْ عَلَى الْحَظْرِ؟ وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ عَلَى الْحَظْرِ - فَهَلْ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؟ أَمْ لَا؟ وَذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَنْ يُخْلَطَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ، وَالزَّهْوُ وَالرُّطَبُ، وَالْبُسْرُ وَالزَّبِيبُ» وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَنْتَبِذُوا الزَّهْوَ وَالزَّبِيبَ جَمِيعًا، وَلَا التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ جَمِيعًا، وَانْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ» . فَيَخْرُجُ فِي ذَلِكَ بِحَسِبِ التَّأْوِيلِ الْأَقَاوِيلُ الثَّلَاثَةُ: قَوْلٌ بِتَحْرِيمِهِ، وَقَوْلٌ بِتَحْلِيلِهِ مَعَ الْإِثْمِ فِي الِانْتِبَاذِ، وَقَوْلٌ بِكَرَاهِيَةِ ذَلِكَ.


وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مُبَاحٌ - فَلَعَلَّهُ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عُمُومَ الْأَثَرِ بِالِانْتِبَاذِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ كُلَّ خَلِيطَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ هُوَ الِاخْتِلَاطُ لَا مَا يَحْدَثُ عَنِ الِاخْتِلَاطِ مِنَ الشِّدَّةِ فِي النَّبِيذِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ تَمَسَّكَ بِعُمُومِ مَا وَرَدَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْخَلِيطَيْنِ".


وقَالَ النَّوَوِيُّ في شرح صحيح مسلم «6 /ص485» باب «باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين»، وفى المجموع أيضا «2/566»:

"الْأَحَادِيث فِي النَّهْي عَنْ اِنْتِبَاذ الْخَلِيطَيْنِ وَشُرْبهمَا ، وَهُمَا تَمْر وَزَبِيب ، أَوْ تَمْر وَرُطَب ، أَوْ تَمْر وَبُسْر ، أَوْ رُطَب وَبُسْر ، أَوْ زَهْو وَوَاحِد مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَات ، وَنَحْو ذَلِكَ ، قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ مِنْ الْعُلَمَاء : سَبَب الْكَرَاهَة فِيهِ أَنَّ الْإِسْكَار يُسْرِع إِلَيْهِ بِسَبَبِ الْخَلْط قَبْل أَنْ يَتَغَيَّر طَعْمه ، فَيَظُنّ الشَّارِب أَنَّهُ لَيْسَ مُسْكِرًا ، وَيَكُون مُسْكِرًا ، وَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّ هَذَا النَّهْي لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيه ، وَلَا يَحْرُم ذَلِكَ مَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا ، وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء ، وَقَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة : هُوَ حَرَام ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَبُو يُوسُف فِي رِوَايَة عَنْهُ : لَا كَرَاهَة فِيهِ ، وَلَا بَأْس بِهِ ؛ لِأَنَّ مَا حَلَّ مُفْرَدًا حَلَّ مَخْلُوطًا ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْجُمْهُور ، وَقَالُوا : مُنَابَذَة لِصَاحِبِ الشَّرْع ، فَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة فِي النَّهْي عَنْهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا كَانَ مَكْرُوهًا . وَاخْتَلَفَ أَصْحَاب مَالِك فِي أَنَّ النَّهْي هَلْ يَخْتَصّ بِالشُّرْبِ أَمْ يَعُمّهُ وَغَيْره؟ وَالْأَصَحّ التَّعْمِيم، وَأَمَّا خَلْطهمَا فِي الِانْتِبَاذ بَلْ فِي مَعْجُون وَغَيْره فَلَا بَأْس بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَم.


وَخَصَّ ابْنُ حَزْمٍ النَّهْيَ بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ: التَّمْرُ، وَالرُّطَبُ، وَالزَّهْوُ، وَالْبُسْرُ، وَالزَّبِيبُ. قَالَ: سَوَاءٌ خُلِطَ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ مِنْهَا أَوْ فِي غَيْرِهَا، فَأَمَّا لَوْ خُلِطَ وَاحِدٌ مِنْ غَيْرِهَا فِي وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا مَنْعَ كَالتِّينِ وَالْعَسَلِ مَثَلًا. وَحَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ يَرُدُّ عَلَيْهِ.


وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: النَّهْيُ عَنْ الْخَلِيطَيْنِ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَعَنْ مَالِكٍ يَكْرَهُ فَقَطْ، وَشَذَّ مَنْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحِلُّ مُنْفَرِدًا فَلَا يُكْرَهُ مُجْتَمِعًا. قَالَ: وَهَذِهِ مُخَالَفَةٌ لِلنَّصِّ بِقِيَاسٍ مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ فَهُوَ فَاسِدٌ ثُمَّ هُوَ مُنْتَقَضٌ بِجَوَازِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُخْتَيْنِ مُنْفَرِدَةً وَتَحْرِيمِهِمَا مُجْتَمِعَيْنِ".

وقال ابن قدامة في الشرح الكبير «10/341»:

"ويكره الخليطان وهو أن ينبذ شيئين كالتمر والزبيب لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخليطين، وقال أحمد الخليطان حرام وقال في رجل ينقع الزبيب والتمر الهندي والعناب ونحوه ينقعه غدوة ويشربه عشية للدواء: أكرهه لأنه نبيذ ولكن يطبخه ويشربه على المكان".


وقال ابن عبد البر في الاستذكار «8/19»:

"قول مالك هذا يدل على أن النهي المذكور في هذا الباب نهي عبادة واختيار لا للسرف والإكثار كما قال أبو حنيفة ولا تجوز الشدة عبادة واختيار كما قال الليث وغيره، وقول الشافعي في ذلك كقول مالك.


قال الإمام الشافعي أكره ذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الخليطين.


أما أبو حنيفة فرد هذه الآثار برأيه !! وقال لا بأس بشرب الخليطين من الأشربة البسر والتمر والزبيب والتمر وكل ما لو طبخ على الانفراد حل كذلك إذا طبخ مع غيره، وهو قول أبي يوسف الآخر، وقال الطحاوي وروي ذلك عن بن عمر وإبراهيم.


وقال محمد بن الحسن أكره المعتق من التمر والزبيب، وروى المعافي عن الثوري أنه كره من النبيذ الخلط والسلافة والمعتق.


وقال الليث لا أرى بأسا أن يخلط نبيذ التمر ونبيذ الزبيب ثم يشربان جميعا، قال وإنما جاء الحديث في كراهية أن ينبذا جميعا ثم يشربان لأن أحدهما يشد صاحبه، وقال بن وهب وبن القاسم عن مالك لا يجمع بين شرابين وإن لم يسكر كل واحد منهما لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ألا ينبذ البسر والتمر والزهر والزبيب".


وقال الشوكاني في نيل الأوطار «8 /ص213»:

"أَصْلُ الْخَلِيطِ تَدَاخُلُ أَجْزَاءِ أَشْيَاءَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ قَوْلُهُ: (وَالْبُسْرُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ: نَوْعٌ مِنْ تَمْرِ النَّخْلِ مَعْرُوفٌ قَوْلُهُ: (الزَّهْوَ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ.


قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَهْلُ الْحِجَازِ يَضُمُّونَ: يَعْنِي وَغَيْرُهُمْ يَفْتَحُ، وَالزَّهْوُ: هُوَ الْبُسْرُ الْمُلَوَّنُ الَّذِي بَدَا فِيهِ حُمْرَةٌ أَوْ صُفْرَةٌ وَطَابَ، وَزَهَتْ تَزْهِي زَهْوًا وَأَزْهَتْ تُزْهَى، وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ أَزْهَتْ بِالْأَلِفِ، وَأَنْكَرَ غَيْرُهُ زَهَتْ بِلَا أَلِفٍ، وَرَجَّحَ الْجُمْهُورُ زَهَتْ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: زَهَتْ ظَهَرَتْ وَأَزْهَتْ احْمَرَّتْ أَوْ اصْفَرَّتْ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ".


قلتُ:

القول بالتحريم هو الصحيح؛ لأن الأصل في النهي التحريم، ويستلزم هذا النهيُ فسادَ المنهي عنه، والذين قالوا بالكراهة عللوا أن النهي متعلق بالإسكار، وأن الخلط يؤدي إلى الإسكار، وهذا أيضا قوى.


وقالوا: قد ورد في بعض الأحاديث ما يشير إلى ذلك، وهو حديث أَنَس بْن مَالِكٍ الذي عند مسلم في صحيحه؛ إذ قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-نَهَى أَنْ يُخْلَطَ التَّمْرُ وَالزَّهْوُ ثُمَّ يُشْرَبَ وَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ عَامَّةَ خُمُورِهِمْ يَوْمَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ.!!!.


وقد يقال إن النهى ورد في الحالتين جميعا سواء أسكر بنبذه أو لم يسكر، فحَمْلُهُ على الكراهة غير متجه، فإن كان مسكرا فهو محرم وإن لم تأت هذه الأحاديث!! فانتبه، ولو قلنا: يؤدي إلى الإسكار فيكون تركه واجبا من باب سد الذريعة كما قال الشاطبي.

======================

سؤال: هل إذا نبذ كل واحد على حدة ثم خلطه بعد الانتباذ وتركه فهل يكون جائزا؟

الجواب: هذا كذلك منهي عنه، فإن كان قد انتبذ كلَّ واحدة منها منفردا، ثم جمعها فتكون نفس الصورة المنهى عنها.

==============================

هل سلطة الفواكه جائزة؟

الجواب: نعم جائزة ولا حرج، ما دام خَلَطَ الفواكِهَ قبل الأكل، أما إذا خلطها وتركها فإن علة التحريم قائمة.

==============================

إذن هل يجوز خلطهما قبل الشرب؟

الجواب: إذا نبذ كلَّ واحد منها منفردا ثم خلطهما وشربهما فليس النهي واردًا عليه، فمن أراد أن يشرب الخشاف بهذه الطريقة فلا حرج، والمنهى عنه هو نبذ الخليطين معا، سواء كان نبذا ابتدائيا، أو نبذًا بعد إفرادِ كلِّ واحد منها وخلطها، أما إذا جمع بينهما ثم صَبَّ التمر أو العنب أو التين أو غير ذلك وشَرِبَهُمَا فلا حرج فيه، ولا يُسمى نَبذا، وإن قلنا: يُسمى نبذا، فإنه قد ورد عن النبي هذا الصنيع وهو النبذ السريع وليس هذا المراد من النهي، فإن النبذ السريع دلت عليه بعض الأحاديث، ولا يكون مظنة الإسكار، والله أعلم.


وكتبه / أبو زياد محمد سعيد البحيري

غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمؤمنين

==================

«1» العفاف لغة: الامْتِنَاعُ والانْكِفَاءُ عَمَّا لاَ يَحِلُّ وَلاَ يَجْمُلُ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا.

(2) البحث من كتاب الإلمام بأحكام الصيام، وهو موسوعة في فقه الصيام في ست مجلدات، كتبته سنة (2007).




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق