إعراب الجمل السبعة التي لها محل من الإعراب

  • اخر الاخبار

    السبت، 18 فبراير 2017

    وقفات مع قوله تعالى: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ) وهل هو سليمان؟


    وقفات مع قوله تعالى: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ) وهل هو سليمان؟!!

    اختلف أهل التأويل في قوله تعالى: «قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ».
    فاختلفوا في: «مَن الذي عنده علم من الكتاب، وما العِلْمُ، ومَا الكِتَابُ، وما معنى ارتداد الطرف».
    والذي أريده هنا هو الوقوف مع المسألة الأولى، وهي: «مَن الذي عنده علم من الكتاب».
    فقد اختلف فيه أهل العلم على أقوال، أذكرها لك اختصارًا:
    القول الأول:
    هو رجل صالح، من صالحي الإنس كان يعلم اسم الله الأعظم، فدعا الله فاستجاب إليه، فجاء العرش، أو حملت الملائكة العرشَ وأتت به سليمانَ عليه السلام، وليس هو من الجن، وهذا قول ابن عباس -رضي الله عنهما -وجمهور المفسرين.

    ثم اختلف أصحاب هذا القول في اسم هذا الرجل الصالح على أقوال:
    فقيل: " آصِفُ بن بَرْخِيَا"، وكان كَاتِبَ سُلَيْمَانَ، وهو المروي عن ابن عباس، وبه قال جماهير المفسرين.
    وقيل: " ذُو النُّورِ ". قال به زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ.
    وقيل: " الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ". قال به ابن لهيعة.
    وقيل: " اسْمُهُ أُسْطُومَ، أو أَسْطُورُسُ ". رُوي مجاهد.
    وقيل: "اسمه بليخا". وبه قال قتادة، وقيل: "مَلِيخَا".
    وقيل: "اسمه هُودٌ".
    وقيل: " ضَبَّةُ بْنُ ادجد بَنِي ضَبَّةَ" رجل مِنَ الْعَرَبِ، وَكَانَ فَاضِلًا يَخْدُمُ سُلَيْمَانَ.
    وقيل: رجل صالح لا يُعرف اسمه.

    القول الثاني:
    هو جبريل، رُوي عن ابن مسعود، والنَّخَعِيِّ، واختاره جماهير المعتزلة؛ لأنهم ينكرون كرامات الأولياء، فتعلقوا به لينصروا بدعتهم.

    القول الثالث:
    ملك من الملائكة أَيَّدَ اللهُ به سليمان، وهو كسابقه.

    القول الرابع:
    الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ هو سليمان نفسه، رُوي عن محمد بن المنكدر.
    والذي ذَكَرَ هذا القول عن محمد بن المنكدر هو البغوي؛ حيث قال في تفسيره (6/ 165): قال محمد بن المنكدر: إنما هو سليمان، قال له عالم من بني إسرائيل آتاه الله علما وفهما: { أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } قال سليمان: هات، قال: أنت النبي ابن النبي، وليس أحد أوجه عند الله منك، فإن دعوت الله وطلبت إليه كان عندك، فقال: صدقت، ففعل ذلك، فجيء بالعرش في الوقت".
    -----------------------------------------------
    قلتُ:
    وها هنا وقفات، الوقفة الأولى:
    سليمان -عليه السلام- يخاطبُ الملأَ، وهم خاصةُ جماعتِه وجُنْدِهِ؛ وهذا لا يشمل الملائكةَ؛ لأنهم ليسوا من جند سليمان وخاصته الذين يشاورهم في أمور ملكه، ولو كان في ملأه ملائكة لما جاز أن يسألهم ويَسْتَفْهِمَ منهم عمن يأتي بعرشها، وهذا معهود عن الملوك، ولذلك قالت ملكة سبأ: «يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ»؛ فخرج على ذلك القولان الثاني والثالث، إلا على قول من فَسَّرَ الكتابَ باللوح المحفوظ، وهذا قول ضعيف.
    -----------------------------------------------
    الوقفة الثانية:
    قوله: «الذي».
    اسم موصول مبهم يحتاج لجملة الصلة والعائد لإزالة إبهامه، وقد جاء أحكم الحاكمين به في هذا الموضع لِحِكَمٍ منها ما لا يُعلم، ومنها ما قد يُعلم؛ حيث قال -جل وعلا- أولا: «قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ»، فذكر وصفَه ونوعَه، وهذا أدق ما يكون، ولما جاء لهذا الذي جاء بعرشها قال فيه: «قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ»، ولو أراد - جل وعلا- أن يذكره باسمه أو وصفه أو نوعه لَذَكَرَهُ، لكنه ليس مفيدا في هذا الموضع؛ لأن الله -جل وعلا- يعلم أننا سنتخلف فيه، ومع ذلك لم يذكره لنا؛ فدل ذلك على أنه من فضول العلم، ففي هذا لفت إلى أمر آخر، ألا وهو: "ليس مُهِمًّا أن تعرفوا مَن الذي عنده علم من الكتاب، لكنَّ المهم: أنه لعلمه بالكتاب فَعَلَ ذلك الأمرَ العظيم"، ففيه إشارة إلى الاعتناء بالعلم والعمل به بقطع النظر عمن قام بهذا العمل !!!.

    وفيه إشارة ثانية إلى قوة جنود سليمان، وقدراتهم الهائلة، وملكه الذي لا ينبغي لأحد من بعده، وفيه إشارات أخر ستأتيك.
    -----------------------------------------------
    الوقفة الثالثة:
    هل الذي عنده علم من الكتاب هو سليمان؟
    الإجابة:
    الله أعلم، هذا علم لم يخبرنا الله به، ولو أراد الله -جل وعلا- أن يقول: قال سليمان لقال !!!، لكنه قال: «قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ» وكان هذا ردا على سؤال سليمان -عليه السلام- «أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ»، فلمَّا «قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ» قال: «قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ». فالراجح ليس هو سليمان.

    فقد يقول قائل:
    لم يذكر الربُ سليمانَ باسمه كما أنه لم يذكر النبيَّ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - باسمه في قوله تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا» تشريفا له، فكذلك شرف اللهُ سليمان بكونه عنده علم من الكتاب ليس عند الملأ الحاضرين!!!!.

    قلتُ:
    ها هنا سؤال: هل الذي عنده علم من الكتاب رَدَّ على سليمان أو رد على العفريت؟

    فإن قلتَ:
    قال ذلك ردا على العفريت؟

    قلتُ:
    فما تقول في ضمير (رَآهُ) أهو عائد على سليمان أم على العفريت؟

    فإن قلتَ:
    عائد على العفريت.

    قلتُ:
    هذا يخالف أول الآية: " أيكم يأتيني"، فعُلم من ذلك أن الذي سيأتي بالعرش هو واحد من الملأ، وليس سليمان، ولا ينتهي مقام السؤال حتى تأتي إجابة شافية من الملأ، أو يقرهم سليمان عليه السلام، وليس يجوز في لسان العرب أن يتحول الأسلوب من مقام إلى مقام دون قرينة، بَيْدَ أنه من الركاكة أن تسأل أنتَ ثم تجيب !!!!!!!!! فإن كان هذا غير جائز في كلام الفصحاء، أفيقع في كلام الله؟، قطعا لا.

    أضف إلى ذلك:
    أن الانتقال من مقام العلمية إلى مقام الإبهام يقتضي المغايرة؛ ولذلك قال تعالى: «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ» ... الآيات.
    إلى أن قال: «قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ».

    فهل يجوز أن يُقال: الرجلان هما موسى وهارون؟ !!.
    قطعا لا، وإنما لأهل العلم فيهما أقوال:
    قيل: يُوشَعُ بن نُون، وكَالِب بن يوفنا.
    وقيل: الرجلان من الجَبَّارين، ولكن أنعم اللهُ عليهم بالإيمان، بدليل قراءة يُخافون بالضم، ولم يقل أحد: إنهما موسى وهارون، والقرءان يُفَسِّرُ بعضه بعضا، فَعَضَّ على هذا.

    فإن قال قائل:
    هما موسى وهارون، لكان قوله خطأ مخالفا لضروب الفصاحة، فافهم.

    فإن قلتَ:
    قال سليمان ذلك ردا على العفريت !!

    قلتُ:
    مقام العفريت أقلُّ مِن أن يكون في مقام تَحَدٍّ مع سليمانَ، وسليمان أعلى قدرا وأرفع مقاما مِن أن يتدنى ليرد على عفريت يَعرف قدرَ نفسه، ويعرف قدرَ نبي الله سليمان، ومقارنةُ سليمانَ نفسَه بالعفريت تُنقص من قدر سليمان، فافهم هذا.

    فإن قلتَ:
    لو رَدَّ على سليمان لصُدِّرَتِ الجملةُ بالواو، أي: «وقال الذي عنده علم من الكتاب».

    قلتُ:
    إنما لم يذكر الواو الاستئنافية حتى لا يتوهم أحدٌ أنَّها عاطفة، فيكون القول مِن مقول عفريت آخر عنده علم من الكتاب !! ففصل الجملة الثانية عن الأولى التي هي: «قال عفريت من الجن»؛ لأنها تخالفها في الحكم، وهذا ما يعرف عند البيانيين بالتوسط بين الكمالين؛ فلو ذُكِرَتِ الواو لوقع إيهام للقارئ والسامع أهو من الجن أم من الإنس؟ وهذا مناف للفصاحة أيضا، ولا يكون في كلام الله البتة.

    فإن قلتَ:
    ليس أحد أفضل من سليمان حتى يكون عنده علم من الكتاب، وقد استطبأ سليمانُ العفريتَ، فقال للعفريت مُحَقِّرًا له: «أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ»؛ ولذلك قال بعدها: «هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ»!!.
    قلتُ:
    هو بعينه قول الرازي، وقد رد عليه ابنُ تيمية، فقال كلاما ما معناه:
    إن الله - جل وعلا- يَخُصُّ بعضَ الأولياء بكرامات لا يشاركهم فيها بعض الأنبياء، كما خَصَّ مريم بفاكهة الجنة أو بفاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهةِ الصيف في الشتاء، ولم يكن ذلك لزكريا عليه السلام !!.

    لا سيما وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن كرامات الأولياء تدخل في معجزات الأنبياء؛ لأن الكرامات لم تحصل للولي إلا باتباع النبي؛ فكل كرامة لولي هي من معجزات نبيه الذي يتبعه، حينئذ يكون الذي حصل للذي عنده علم من الكتاب معجزة لسليمان أيضا.

    أضف إلى ذلك أن الملوك لا يباشرون هذه الأعمال بأنفسهم !!!!، ولذلك طلب سليمانُ من الملأ أن يأتوا بعرشها.

    أما قول سليمان: «هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ» فلا يُخَصُّ بواقعة العين، فإن شكره ربَّه عائدٌ على جميع مَا مَنَّ الله به عليه مِن نِعَمٍ، أو تكون الإشارة عائدة على جميع ما حصل في مجلسه دون تخصيص ذلك بالإتيان بالعرش.

    وعلى قولك: يكون الضمير في «طَرْفُكَ» عائدا على الجن، وهذا ما لم يقل به قائل البتة فيما أعلم !!!، فهو قول محدث، وهذا ما لم يفطن إليه كثير ممن يقولون بهذا القول.

    فإذا قلنا بقول ابن المنكدر: فليس فيه هذا الفهم المحدث، ألا وهو:
    إن سليمان هو الذي قال: «أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ»؛ حيث قال ابن المنكدر -إن صح عنه-:
    "إنما هو سليمان، قال له عالم من بني إسرائيل آتاه الله علما وفهما: { أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ، قال سليمان: هات ". ولم يقل ابن المنكدر: إن سليمان هو الذي قال هذا !!! فافهم هذا.

    بل هذا حجة على قائل هذا القول؛ لأن ابن المنكدر قال: قال عالم بني إسرائيل لسليمان: أنت النبي ابن النبي، وليس أحد أوجه عند الله منك، فإن دعوت الله وطلبت إليه كان عندك، فقال: صدقت، ففعل ذلك، فجيء بالعرش في الوقت".

    والسؤال:
    كيف عرف ابنُ المنكدر هذا وقد خفي على الصحابة؟ !!! إذ ليس عندنا نص، إنما هو كلام لا دليل عليه البتة، هذا إن صح عن ابن المنكدر؛ لأني لم أقف على إسناده.

    غير أن هذا القول السابق يتضمن طعنا في نبي الله سليمان؛ لأن معنى ذلك أن الرجلَ العَالِمَ بَيَّنَ لنبي الله سليمان الصوابَ، وأنَّ الواجب عليه أن يدعو ربَّه !!! لا أن يطلب من الملأ الإتيان بالعرش !! وهذا يتضمن أو يستلزم طعنا في نبي الله؛ إذ كيف يخفى على نبي الله سليمان أمر كهذا، أفيجوز أن يوجهه رجلٌ من ملأه إلى الصواب في دعاء الله؟.

    فإن قلتَ:
    هذا يقضي بأن سليمان ليس عنده علم من الكتاب.

    قلتُ:
    بل عنده، ولا مانع أن يخص الله أحدا بكرامة، على ما سبق بيانه.
    ---------------------------------
    وعلى ما تقرر أقول: إن الله - جل وعلا- ذَكَرَ الذي عنده علم من الكتاب بالاسم الموصول لحكمٍ، لعل منها أنه ليس سليمان !!!!!!!!!!!!!!، وكونه - جل وعلا- ذَكَرَ الذي عنده علم من الكتاب مبهما بعد خطاب سليمان للملأ فإنه يقتضي تخصيصَ ذلك المذكور بأنه من الملأ المُخَاطَبِين، وهو ما لم يقل صحابي واحد خلافه، وهم أعلم الناس بكتاب الله، فلا يكون حينئذ هو سليمان البتة.

    فالآيات على ظاهرها، والذي عنده علم من الكتاب لم يخبرنا الله أنه سليمان، فلا نَقْفُوا ما ليس لنا به علم، والله أعلم.

    وكتب / أبو زياد محمد سعيد البحيري
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 التعليقات:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: وقفات مع قوله تعالى: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ) وهل هو سليمان؟ Rating: 5 Reviewed By: محمد سعيد البحيري
    إلى الأعلى