إعراب الجمل السبعة التي لها محل من الإعراب

  • اخر الاخبار

    الاثنين، 22 ديسمبر 2014

    شرح البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) وإعرابها



    شرح البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) وإعرابها





    البَسْمَلَةُ مصدر لبَسْمَلَ، كدَحْرَجَ دَحْرَجَةً، ووزن (فعللة) قد يكون مصدرا (لِفَعْلَلَ) المجرد (كَدَحْرَجَ)، أو الملحق به (كَجَلْبَبَ)، وقد يكون منحوتا (كَـبَسْمَـلَةٍ) وهذا الأخير فيه خلاف بينهم هل هو سماعي أم قياسي، والصواب كونه قياسيا، وقد سُمِعَ (سَمْعَلَ) من قول: (السَّلَامُ عَلَيْكُمُ)، وسُمِعَ (بَسْمَلَ) من قول: (بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)؛ قال عمر بن أبي ربيعة:
    لَقَدْ بَسْمَلَتْ لَيْلَى غَدَاةَ لقِيتُهَا ** فَيَا حَبَّذَا ذَاكَ الحَبِيبُ المُبَسْمِلُ

    ويُقاس عليه مثل (حَوْلَقَةٍ) أو (حَوْقَلَةٍ) من قول: (لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله)، (وهَلَّلَ تَهْلِيلًا)، من قول (لا إله إلا الله)، (وكَذْلَكَةٍ) من (كَذَلِكْ)، (وَفَذْلَكَةٍ) من (فَذَلِكَ)، إلى غير ذلك.

    قول: (بِسْمِ).
    الاسم عند البصريين مشتق من السُّمُوِّ، وهو العُلُوُّ، من سَمَـا يَسْمُو سُمُوًّا، تقول: سَمَوْتُ الشيءَ سُمُوًّا، وأصله (سِمْوٌ)، حُذِفَ حرف العلة الواو المتطرفة-وهي لام الكلمة-فصار (سِمٌ)، جرى فيه إعلال بالقلب، ودخلت عليه الألف في أوله، فصار (اسم)، ودليل ذلك جمعه على (أسمـاء) الذي هو في الأصل (أسْمَـاو) فهو وَاوِيٌّ مُعْتَلٌ، وَقَعَتِ الواو بعد ألف الجمع فقُلبت همزة.
    ويُـجمع أيضا على (أَسَامِوْ)، التي أصبحت بعد القلب (أَسَامِي)، ويُصغر على (سُمَـيٍّ).
    والكوفيون يقولون: الاسم مشتق من السِّمَةِ، أي العلامة، من وَسَمَ يَسِمُ وَسْمًـا وَسِمَـةً، والصواب في هذا الاشتقاق قول البصريين؛ لكون (اسم) يجمع على (أسمـاو)، ويُصغر على (سُمَيٍّ) والجمع والتصغير يردان الكلمات إلى أصولها، ولو كان مشتقا من السمة على قول الكوفيين لَـجُمِعَ على (أَوْسَامٍ)، ولَصُغِّـرَ على (وُسَيْمٍ).
    وعلى هذا الخلاف يَخْتَلِفُ تصريفه، فعلى قول البصريين-وهو الصواب-يكون (اسم) على وزن (اِفْعٌ) على أن الذي حذف هو لام الكلمة، وعلى قول الكوفيين وزنه (اِعْلٌ) على أن المحذوف هو فاء الكلمة، وحُذفت الألف من (بِسْمِ) لكثرة الاستعمال.
    وقد ذُكِرَتِ البسملة في افتتاح كتاب الله -جل وعلا- تعليمـا من الله لعباده أن يذكروا اسمه عند افتتاح القراءة؛ فالمعني أقرأ باسم الله، أو أبدأ القراءة باسم الله، أو ابتدائي باسم الله.

    قول: (اللَّـه).
    لفظ الجلالة (اللَّـهُ)، أصله (إِلَاهٌ) على وزن (فِعَالٍ)، فحُذفت الهمزة وعُوض عنها بأل، وهو ما نَقله سِيبَوَيْهِ عَنِ الْخَلِيلِ.
    بينما قَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: أَصْلُهُ الْإِلَاهُ، حَذَفُوا الْهَمْزَةَ وَأَدْغَمُوا اللَّامَ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ فصارتا لاما مشدَّدة كما قال تعالى: ﴿لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي (الْكَهْفِ: 38)، أَيْ: لَكِنَّ أَنَـا، وَقَدْ قَرَأَهَا هكذا الْحَسَنُ.
    والإِلَهُ: هو الذي تَأْلَهُهُ القلوب، من (أَلَهَ، يَأْلَهُ) بالفتح، وسُمعَ أيضا (أَلِهَ) بالكسر، (إلاَهَةً، وأُلُوهَةً، وألُوهِيَّةً)، فهو مصدر أريد به اسم المفعول.
    والدليل على كونه مُشْتَقًّا قوله تعالى: ﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ﴾ (الْأَنْعَامِ: 3)، فلما ورد في قولـه تعـالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾ (لزُّخْرُفِ: 84)، علمنا أن (إِلَهَ) هو أصل اشتقاق لفظ الجلالة (اللَّـهِ) لتعلق الجار والمجرور به، سواء كانت (أل) فيه زائدة على قول سيبويه، أو أصلية على قول الكسائي والفراء.
    قال رُؤْبَةُ:
    لِلَّـهِ دَرُّ الْغَانِيَاتِ الْمُدَّهِ *** سَبَّحْنَ وَاسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهِي

    الرَّحْمَنُ: على صيغة فَعْلَانَ، وهي من صِيغ المبالغة، كَعَطْشَانَ وغَرْثَانَ.
    والرَّحِيمُ: على وزن فَعِيلٍ، من الدلالة على المبالغة أيضا، فالرحمن والرحيم مشتقان من الرحمة، وكلاهما للمبالغة، لكنَّ لفظ رحمن أبلغ من لفظ رحيم؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى في الغالب؛ ولأن الرحمن يَعُمُّ برحمته جميع خلقه، أما الرحيم فرحمته خاصة بالمؤمنين؛ ولذلك قال تَعَالَى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ (الأحزاب:43)، والرحمن لا يُطلق إلا عَلَى الله، بينمـا الرحيم قد يُطلق على غير الله، كما قال الله عن نبيه-ﷺ-: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (التوبة: 128).

    وابن القيم له توجيه جيد؛ حيث قال في بدائع الفوائد (1/28):
    وأما الجمع بين الرحمن الرحيم ففيه معنى هو أحسن من المعنيين اللذين ذكرهما، وهو أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف والثاني للفعل.
    فالأول دال أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وإذا أردْتَّ فهم هذا فتأمل قوله: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾، ﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾، ولم يَجِئْ قط رحمن بهم، فعلم أن الرحمن هو الموصوف بالرحمة، ورحيم هو الراحم برحمته، وهذه نُكتة لا تكاد تجدها في كتاب وإن تَنَفَّسَتَ عندها مِرآة قلبك لم تنجل لك صورتها. اهـ

    وقال ابن كثير: 
    "وَرَحْمَنُ أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنْ رَحِيمٍ، وفي كلام ابن جرير ما يُفهم منه حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ عَلَى هَذَا، وَفِي تَفْسِيرِ بَعْضِ السَّلَفِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ".

    من البلاغة في البسملة:
    أولا: المجاز بالحذف في مُتَعَلَّقِ الجار والمجرور في قوله (بسم الله)، وحَذْفُ الـمُتَعَلَّقِ واجب في هذا المقام على ما هو مشهور؛ وذلك لكثرة الاستخدام؛ ولكون البسملة جرت مجرى الأمثال كما قال بعضهم، ونُقدر هذا المُتَـعَلَّـقَ فِعلا متأخرا مناسبا للمقام.
    فكونه فِعْلًا؛ لأن الأصل في العمل يكون للأفعال، على خلاف بينهم في تقدير الـمُتَعَلَّقِ ليس هذا مَحَلُّ بَسْطِهِ.
    وكونُنا قدرناه متأخرا حتى يكون البدء باسم الله، وهذا يفيد الحصر والاهتمام، ولو قدرناه متقدِّما جاز أيضا، لكنَّ الأول أبلغ؛ لأن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر.

    والحصر: هو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه.
    فإذا قلت: (بسم الله أكتب) أي: بسم الله لا باسم غيره، ففيه حصر الاستعانة بالله وحده، ونفي ذلك عن غير الله.
    والاهتمام: أن يتقدم لفظ الجلالة على غيره، فلا يتقدم عليه شيء؛ وذلك مراعاة للاستعانة به سبحانه، وهذا المناسب في هذا الموضع.

    وقد يتقدم المُتَعَلَّقُ في بعض المواضع؛ وذلك لمراعاة معنى آخر، كمـا في قوله تعالى ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ العلق:1، ففي هذا الموضع تَقدم الـمُتَعَلَّقُ لمراعاة جانب القراءة، وهذا الأهم في هذا الموضع.
    ولذلك قال السيوطي في عُقُودِ الـجُمَـانِ:
    وقد يُفيد في الجميع الاهتمـام *** به ومِنْ ثَـمَّ الصَّوَابُ في الـمَقَام
    تقديرُ ما عُلِّـقَ باسـم اللـه بـه *** مـؤخــرا فــإن يَــرِدْ بِـسـبـبـهِ
    تقـديـمُـه في سـورة اقـرأ فهُنا *** كـان القـراءةُ الأهـمَّ الـمُعْتَـنَى

     وقدرناه مناسبا للمقام حتى إذا قدمتَه للقراءة يكون التقدير: (باسم الله أقرأ)، وإذا قدمتَه للأكل يكون التقدير: (باسم الله آكل)، ولو قدرناه عَامًّـا لـمـا أفاد هذه الفائدة، فلو قدرناه (أَبْدَأُ) لَـمَـا عُلِمَ بأي شيء تبدأ.
    ومـن البلاغـة أيضـا: الإِيجَـازُ بإضـافـة العــام للخـاص في قـولـه تَعَـالَى: ﴿بسم الله﴾ ويُسَمَّى عندهم (إِيجَازَ قَصْرٍ).

    إعراب البسملة:
    (الباء): حرف جر، قيل باء الاستعانة، وقيل باء السببية، وعند سيبويه باء الإلصاق، وقيل زائدة، والمشهور الأول، وهي حرف مبني على الكسر لا محل له من الإعراب.
    (اسم): مجرور بالباء، وجره كسرة ظاهرة على آخره، وهو مضاف.
    والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، وبعض النحاة كالزمخشري وأبي حيان يجعلان: (شِبه الجملة في محل نصب مفعول به مقدم بفعل محذوف).
    ولو قدرنا المتعلَّق اسمـا لكان الجار والمجرور متعلقين بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف تقديره (ابْتِدَائِي).
    (اللهِ): مضاف إليه مجرور على التعظيم، وجره كسرة ظاهرة على آخره.
    (الرحمنِ الرحيمِ): نعتان مجروران، وجرهما كسرة ظاهرة.
    وجملة البسملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب.
    وهذا الإعراب على سبيل الاختصار، وإلا فلإعراب البسملة أوجه كثيرة جدا، وقد أوصلها بعض النحاة كالخضري في حاشيته على شرح ابن عقيل إلى (تسعة وسبعين وجها بعد المائتين !!)، ولا يُسَلَّمُ له في بعضها، والمشهور منها تسعة أوجه، كمـا قال النور الأجهوري:
    إِنْ يُنْصَبِ الرَّحْمَنُ أَوْ يَرْتَفِعَا *** فَالْجَرُّ فِي الرَّحِيمِ قَطْعاً مُنِعَا

    وكتب
    أبو زياد محمد بن سعيد البحيري



    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    6 التعليقات:

    1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      لدي طلب لو تكرمتم علي وهو كيف اوثق قول النور الأجهوري الوارد في ختام الموضوع فانا بحاجة ماسة لتوثيق هذه البيت والأبيات الأخرى في تعداد الأوجه التسعة لاعراب الرحمن الرحيم ولم أصل إلى مصدر يوثقها، الشكر موصول لكم مقدماًعلى الحالين. د. محمود السبهاني/ الرمادي/ العراق.

      ردحذف
      الردود
      1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        حياكم الله أخي
        الأبيات ذكرها الكفراوي نقلا عنه في شرحه على الآجرومية (1/ص 42)

        حذف
    2. السلام عليكم ورحمة الله
      علي قول الكوفيين في تقدير متعلق البسملة فعلا ، لم لا يصح جعلها متعلقة بمحذوف حال تقديره مستعينا العامل فيه الفعل المحذوف فكأننا نقول نبدأ مستعينين باسم الله ، أو هي نفسها في محل نصب حال ، لأن أبدا متعد بنفسه أم أن ابا حيان جعله في محل نصب مفعول به لأنه يتعدي لواحد بنفسه ولثان بحرف جر

      ردحذف
      الردود
      1. وعليكم السلام ورحمة اللله وبركاته
        حتى لا نلجأ إلى تقدير محذوفين هما الفعل والحال، ولا شك أن تقدير محذوف واحد أولى وأصح، وأبدأ هنا لازم وإلا لقدرت فعلا ومفعولا محذوفا، وهذا غير فصيح، فالباء دلت على أن الفعل لازم غير متعد.

        حذف
    3. الشكر موصول لكم علي هذا المباحث

      ردحذف

    Item Reviewed: شرح البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) وإعرابها Rating: 5 Reviewed By: Unknown
    إلى الأعلى