الخميس، 20 يونيو 2024

نحو نحو جديد (6) حقيقة الكلام في اللغة، والكلام عند النحاة


 





نحو نحو جديد (6)
==================
ما زلت أقول وأكرر:
الكلام في اللغة هو نفسه الكلام عند النحاة المتقدمين كسيبويه، والخليل، والكسائي، وغيرهم من أئمة النحو واللغة، أعني: الكلام اللغوي هو الجمل التامة اسمية كانت أو فعلية.

وقد غلط بعض المتأخرين من النحاة لا سيما المتكلمين، فظنوا أن العرب تنطق باللفظ مفردا، فاشترطوا التركيب والإفادة، ودعواهم هذه بلا بينة؛ لأن العرب لا تنطق البتة بكلمة واحدة!! وإنما اشترطت في كلامها اللفظ، والتركيب حقيقيا كان أو تقديرا، مع الإفادة، ودليل ذلك أنك لا تجد عربيا واحدا تكلم بكلمة واحدة من مسند فقط، أو مسند إليه فقط، وإنما لا بد من أن يذكر المسند والمسند إليه، وهذه حقيقة الكلام عند العرب، وهو صريح نص سيبويه، كما بينته مبسوطا في شرح الخلاصة.
======================
قال سيبويه رحمه الله (1/ 122):
"
واعلم أَنَّ " قُلْتُ " إنما وقعت في كلام العرب على أن يُحْكى بها، وإنما تَحْكِى بعدَ القول ما كان كلامًا لا قولًا، نحو قلتُ: زيدٌ منطلقٌ، لأنه يَحْسُنُ أن تقول: زيدٌ منطلقٌ، ولا تُدخلُ " قلتُ ". وما لم يكن هكذا أسقط القول عنه".

فهذا إمام النحاة يذكر تعريف الكلام في اللغة، وأنه لا فرق عنده بينه وبين الكلام عند النحاة؛ لأنه بين: أن كلام العرب ما صح أن يقع بعد قول، والقول لا يقع بعده إلا كلام تام، وهذا كتاب نحو، ولم يفرق إمام النحاة فيه بين الكلام في اللغة والكلام عند النحاة.

وقال ابن مالك في شرح التسهيل مؤكدا كلام سيبويه:
"
عنى -يعني سيبويه- بالكلام الجُمَلَ، وبالقولِ المفردات، ولا يريد أن القولَ مخصوصٌ بالمفردات، فإن إطلاقَه على الجمل سائغٌ بالاتفاق".

وقال ابن فارس في "مقاييس اللغة" (5/ 131) في تعريف الكلام:
نُطْقٌ مُفْهِمٌ !!.

وبهذا تعرف بطلان تعريف الكلام لغة عند النحاة المتأخرين وبعض أئمة اللغة ومقلديهم من أنه: القول وما كان مكتفيا بنفسه !!

=======================

فإن قلتَ: أليس وجود المفردات دليلا على اعتبار النطق بها قبل التركيب؟

قلتُ: هذا فرض ذهني لا وجود له في الخارج، كما أن وجود الحروف التي تأتلف منها الكلمات لا يعني أن العرب تنطق بها مجردة عن التركيب، فكذلك المفردات لا تنطق بها العرب مجردة عن التركيب.

ويا للأسف هو ما ينص عليه كثير من النحاة المتأخرين وبعض المقلدين من الشراح المعاصرين!! فأنا أدعى أنه لم يقل به أحدٌ من أئمةِ العربيةِ المتقدمين، كالخليلِ وسيبويهِ وغيرِهما، بل قالوا خلافه.

فإن خالفني أحد في ذلك فليأت ببينة.

فإن تعنت وشاغب ونقل كلام ابن هشام مقلدا له في أن الكلام في اللغة يقع بغير النطق والإفهام، بأن يقع بشيء من القرائن المفهمة، فأقول: قد رددت على ابن هشام ردا مفصلا في درس كامل في المجلس الثاني من الشرح الموسع على الخلاصة، فلترجع إليه، وستجد أن جميع ما استدل به ابن هشام هو حجة عليه لا له.

================

وأنا أدعي أنه: أجمع الفقهاءُ على أنَّ مَن حلف ألا يتكلمَ فإنه لا يحنثُ بحديث النفس ولا بالإشارة، ولا بالكتابة، ولا بالنصب، وإنما يحنثُ بالكلام الذي هو نطق مفهم.

وأجمع العقلاءُ على أنَّ الساكتَ والأخرسَ لا يُسمى كلٌّ منهما متكلمًا، مع أن كلا منهما يحدثُ نفسَه، ويشير، ويكتب!!.

=======================
وإنما تقوم القرائن المفهمة مقام الكلام في الإفهام، وهذا مما لا نزاع فيه، سواء كان ذلك في اللغة أو في الشرع، والله أعلم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق