سؤال من أحد الإخوة يقول فيه:
قال أحد المشايخ: "لولا زيد يكرمنا ما أكرمناه"
فهل هذا التركيب صحيح من حيث اللغة؟
==================
ج: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما بعد
فهذا التركيب غير صحيح؛ ذلك أنه علق الوجود بعد "لولا
الامتناعية" على وصف خاص، أي: جعل وجود زيد مقيدا بالإكرام، وهذا مما لا وجود
له في كلام العرب، غير أنه ذَكَرَ الخبرَ بعد لولا، وهو من المواضع التي يُحذف
فيها الخبر وجوبا.
وقد ذهب سيبويه وجمهور البصريين والكوفيين إلى أن الوجود الخاص لا
وجود له في كلام العرب، ولم يأت في القرءان الكريم ولا في السنة النبوية إلا
الوجود العام، من ذلك قوله -تعالى-: (لولا أنتم لكنا مؤمنين)، وقوله -تعالى-: (وما
كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)، وقوله -تعالى-: (ولولا رهطك لرجمناك)، وقول النبي
-صلى الله عليه وسلم-: (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية أو بكفر...) رواه مسلم
وغيره.
وقد خالف في ذلك بعض المتأخرين؛ إذ ذهب الرماني وابن الشجري
والشلوبين وابن مالك إلى أن الخبر يُحذف بعد لولا غالبا، كما قال ابن مالك في
ألفيته:
وبعد لولا غالبا حذف الخبر ** حتم وفي نص يمين ذا استقر
أي: ليس دائما، بل غالبا.
واحتجوا على ذلك بالحديث السابق، لكنه روي برواية أخرى، وهي: (لولا
قومُك حديثو عهد بالإسلام لهدمت الكعبة) فقالوا: "قومك" مبتدأ،
و"حديثو" خبره، وهو كون مقيد بـ "الحداثة"، فيجوز حينئذ
الوجهان، وهما: ذكر الخبر وحذفه، بشرط وجود الدليل على حذفه، نحو: لولا أنصار زيد
حموه ما سلم"، فـ"حموه" خبر "أنصار" وهو كون مقيد بـ
"الحماية"، والمبتدأ دال عليها؛ لأن الأنصار من شأنهم الحماية، ومن ذلك
قول أبي العلاء المعري في وصف السيف:
يذيب الرعبُ منه كلَّ عضب *** فلولا الغمدُ يمسكُه لسالا
قالوا: "يمسكه" خبر "الغمد"، وهو وجود مقيد بـ
"الإمساك"، والمبتدأ دال عليه، إذ من شأن غمد السيف إمساكه.
وهذا المذهب ضعيف، والصحيح هو قول الجمهور.
أما الحديث الذي احتجوا به فرُوي بالمعنى، تصرف فيه بعضُ الرواة،
يدل على ذلك ما ثبت في جل كتب السنة بلفظ: "لولا أن قومك حديثو عهد"
حينئذ لا حجة فيه.
وأما قول المعري فهو لحن، وليس هو ممن يُحتج بكلامهم، ثم يمكن أن
نجعل جملة "يمسكه" معترضة، أو "بدل اشتمال" من الغمد.
وقالوا في قولهم: "لولا أنصار زيد حموه ما سلم" من كلام
بعض المولدين، والعرب لا تنطق به، بل تقول: "لولا حماية أنصار زيد إياه"،
أي: موجودة
فالحاصل أنه لا يُذكر الخبر بعد "لولا" الامتناعية أصلا
عند الجمهور، بناء عندهم على أن الوجود لا يكون إلا مطلقا. وهو ما لم يأت غيره في
القرءان ولا في فصيح الكلام، وستجد تفصيل ذلك في "شرح التصريح على التوضيح" (1/ 255)، ومغني اللبيب (ص360) وشرح الأشموني على الخلاصة (1/ 206)، وغيرها من كتب النحو الموسعة، والله أعلم.
وكتب / أبو زياد محمد سعيد البحيري
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمؤمنين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق