الظُّلْمَةُ مخلوقة بالإجماع وليستْ عَدَمًا.
أُنَبِّهُ على شيء مهم جدا باختصار:
رأيتُ في كلام بعض أهل العلم وسمعتُ من بعض العوام وطلاب
العلم قولا منكرا، ألا وهو: إنَّ الظلمةَ عدمُ النور !!، فالنور له وجود حقيقي،
بينما الظلام ذَهاب النور.
والرد على هذا بحول الله وقوته:
قال تعالى " الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ
وَالنُّورَ ".
«جَعَلَ»: أي خلق الظلمات والنور، وثَمَّ فرق معروف بين الجعل والخلق ليس هذا
محل بسطه.
فوجه الدلالة: أن الله-جل وعلا- خَلَقَ الظلماتِ.
أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره تفسير هذه الآية «4/7081»:
عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي
الزَّنَادِقَةِ، قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ الظُّلْمَةَ وَلا الْخَنَافِسَ
وَلا الْعَقَارِبَ وَلا شَيْئًا قَبِيحًا، وَإِنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الضَّوْءَ وَكُلَّ
شَيْءٍ حَسَنٍ قَالَ: فَأُنْزِلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةُ.
وأخرج «7083» عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: خَلَقَ الظُّلْمَةَ قَبْلَ النُّورِ.
وأخرج عن السُّدِّيِّ «7085» قَوْلَهُ: وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ قال خَلَقَ الظُّلْمَةَ
قَبْلَ النُّورِ.
وقال تعالى " اللَّهُ
خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ".
والظلامُ شيءٌ بالإجماع، ولو كان الظلامُ عَدَمًا لم يكن
مخلوقا؛ وذلك أنَّ العدم ليس بشيء في الخارج بإجماع العقلاء، وكلُّ شيءٍ مخلوقٌ؛
لأنه لا بد له من خالق، إذن: فالظلمةٌ شيء= الظلمةُ مخلوقة.
قال أبو العباس ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية «2/375»:
"الصواب المتفق عليه بين أهل السنة وعقلاء الخلق أن
العدم ليس بشيء في الخارج وإنما كان له وجود في العلم".
وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة «2/202»:
"فَإِن الشَّيْء إِنَّمَا يكون شَيْئا فِي الْخَارِج
أَو فِي الذِّهْن وَالْعلم وَمَا لَيْسَ لَهُ حَقِيقَة خارجية وَلَا ذهنية فَلَيْسَ
بِشَيْء بل هُوَ عدم صرف وَلَا ريب ان الْعَدَم لَيْسَ بِفعل فَاعل وَلَا جعل جَاعل".
وقال في طريق الهجرتين «101»:
" فإن العدم ليس
بشيء أصلًا، وما ليس بشيء لا يقال إنه مفعول لفاعل، فلا يقال إنه من الله، إنما يحتاج
إلى الفاعل الأمور الوجودية ".
فإن قال قائل:
الظلمة ليست مخلوقة فقد كفر واعتقد اعتقاد النصارى.
قال قديسهم أغسطينوس:
" إن الله يأمر النور الذي خلقه والظلمة التي لم يخلقها
ويطيعانه".
وإن قال: الظلمة
قديمة فقد اعتقد اعتقاد المجوس.
إذن: هل من قال من أهل العلم: «الظلمةُ عَدَمٌ» يريد بذلك ليست مخلوقة!!.
الجواب: قطعا لا، ولا يُظن ذلك أصلا بعالم فاضل من علماء
أهل السنة، وإنما خرج هذا الكلام سهوا أو خطأ، وليس مقصودا، وقد أراد بالعدم شيئا
مخلوقا لا شيئا غير مخلوق، جمعا بين أصوله، فتنبه.
لكن لا مناص من أن ذلك العالم أخطأ ولا يُتابع على خطأه، فإنَّ القول بأن الظلمةَ عدمٌ مخلوقٌ فيه تناقض، وقول لم يقل به قائل فيما أعلم، ومخالف للكتاب والسنة وإجماع العقلاء.
فإن قال
قائل: أليس إذا وُجد
النور ذهب الظلام، وإذا وُجد الظلام ذهب النور؟
الجواب: بلى، ولكن ماذا تريد بقول: إذا وُجد النور ذهب الظلام؟
هل تريد أن
الظلام ليس بشيء متى ذهب النور وُجد الظلام الذي هو عَدَمٌ، وعلى ذلك يكون الظلام
ليس بشيء، من أراد هذا المعنى كفر كما سبق بيانه.
وإذا أردتَ: أنَّ الله -جل وعلا –
قَدَّرَ إذا وُجد النورُ ذهب الظلام، والعكس بالعكس، وكل منهما مخلوق فهذا حق.
فإذا تبين لك يا طالب العلم خطأ هذه الكلمة فلا يجوز لك
حينئذ تقليد ذلك العالم ولو كان أعلم الناس، والله أعلم.
وكتب / أبو زياد البحيري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق