بيان معنى العلم لغة وفي اصطلاح الأصوليين والمناطقة، وبيان أقسامه وإطلاقاته
قال العمريطي:
وَعِلْمُنَـا مَعْرِفَــةُ الْمَعْـلُـومِ *** إِنْ طَـابَقَتْ
لِوَصْفِـهِ الْـمَحْـتُـومِ
قوله: (وَعِلْمُنَـا). عِلْمُ: مبتدأ، وهو نكرة، وسوغ الابتداء به
إضافته، فهو مضاف، من إضافة المصدر إلى مفعوله إضافة لامية، و(نَا): ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف
إليه.
(مَعْرِفَةُ): خبر المبتدإ، وهو مضاف، (الْـمَعْـلُومِ): مضاف إليه.
ومعنى البيت:
العلم هو: معرفة ما من شأنه أن يُعلم على ما هو به في
الواقع.
والعلم فيه مسائل:
«في حده، وأقسامه، والفرق بين العلم في اللغة وعند
الأصوليين والمناطقة، وإطلاقات العلم».
أولا: في حده.
العلم لغة: نقيض الجهل، وهو مطلق الإدراك، وليس الإدراك
الجازم، وهو مصدر (عَلِمَ يَعْلَمُ عِلْمًـا، فهو عَالِـمٌ، ومَعْلُومٌ).
والعلم لغة يأتي ويُراد به: (اليقين،
والمعرفة، والشعور، والأثر، والإشارة، والظن) فكل إدراك يُسمى علمـا.
قال الفيومي في المصباح (2/427/علم):
يقال (عَلِمَ يَعْلَمُ) إذا تيقن، وجاء
بمعنى المعرفة أيضا كمـا جاءت بمعناه ضمن كلّ واحد معنى الآخر لاشتراكهما في كون
كل واحد مسبوقا بالجهل؛ لأن العلم وإنْ حصل عن كسب فذلك الكسب مسبوق بالجهل، وفي
التنزيل (مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ) أي: عَلِمُوا. اهـ
قال زهير في معلقته:
وأَعْلَمُ مَا فِي الْيَوْمِ وَالأَمْسِ
قَبْلَهُ *** وَلَكنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِي
وقال الخليل في العين (2/152/علم):
وما عَلِمْتُ بخبركِ، أي: ما شعرت به، وأعلمته
بكذاِ، أيْ: أَشْعَرْتُه وعلّمته تعليمًا.
ولو سألك رجل عن طريق ما، فأشرتَ إليه بأنه في
هذه الجهة، فقد أعلمتَه، وأدركَ، فهذا علم.
وقال ابن فارس في مقاييس اللغة (4/109/عَلَمَ):
(عَلَمَ) الْعَيْنُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ
أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى أَثَرٍ بِالشَّيْءِ يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ
غَيْرِهِ... إلى أن قال: وَالْعِلْمُ: نَقِيضُ الْجَهْلِ، وَقِيَاسُهُ
قِيَاسُ الْعَلَمِ وَالْعَلَامَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ قِيَاسٍ
وَاحِدٍ قِرَاءَةُ بَعْضِ الْقُرَّاءِ: " وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ
"، قَالُوا: يُرَادُ بِهِ نُزُولُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِنَّ
بِذَلِكَ يُعْلَمُ قُرْبُ السَّاعَةِ. وَتَعَلَّمْتُ الشَّيْءَ، إِذَا أَخَذْتُ
عِلْمَهُ. اهـ
وكذا: من نظر إلى المحراب فعرف القبلة فقد عَلِمَهَا،
لأنه أثر وعلامة على الشيء.
ويُطلق العلم على الظن، كمـا قال تعالى ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ
إِلَى الْكُفَّارِ﴾ الممتحنة:10،
أي: ظننتموهن، وقد يُراد
بالظن العلم، كما سيأتي بيانه في موضعه.
واصطلاحا قال الناظم: وَعِلْمُنَا مَعْرِفَةُ الْـمَعْلُومِ إِنْ
طَـابَقَتْ لِوَصْفِـهِ الْـمَحْتُومِ.
فقوله: (وَعِلْمُنَا). احترز به عن علم الله؛ لأنه-جل وعلا- ليس
كمثله شيء، فعلمه-جل جلاله- شامل لما وَقَعَ، وما يكون ولم يَقَعْ، وما هو كائن لم
يَنْقَطِعْ، وما لم يَقَعْ لو وَقَعَ كيف كان وَقَعَ، فلا يُقال في علم الرب ما يُقال
في علم الخلق.
قال أحدهم:
عِلْمُ الإلهِ لا يُقَالُ نَظَرِيْ *** ولا
ضَرُورِيٌّ ولا تَصَوُّرِيْ
وليسَ كَسْبِيًا فَكُلُ مُوهِمِ *** يُمْنَعُ
في حَقِّ الكَرِيمِ المُنْعِمِ
فقوله: (مَعْرِفَةُ). عبر بالمعرفة وأراد بها (الإدراك الجازم)،
تبعا للجويني.
فالعلم في الاصطلاح يُراد به الإدراك الجازم
دون غيره.
والـمَعْلُومُ: اسم مفعول، من (عَلِمَ يَعْلَمُ عِلْمًـا
فهو عَالِـمٌ، ومَعْلُومٌ)، ولا يصح تفسيره بالشيء المعلوم؛ إذ لو كان معلوما
فكيف يُحتاج أن يُعلم، وإنما نقول: المعلوم هنا ما كان من شأنه أن يُعلم،
وإلا للزم الدَّوْرُ، ولذلك كلامهمـا فيه قصور.
(إِنْ طَـابَقَتْ لِوَصْفِـهِ الْـمَحْـتُـومِ). يعني: إن
وافقت المعرفة ما هو عليه في الواقع، وهذا يُعتبر حشوا؛ لأن المعرفة إذا لم تكن
على ما هي عليه في الواقع تُعد جهلا.
فخرج بقوله: (معرفة). الإدراك غير الجازم المركب.
وخرج بقوله: (لوصفه المحتوم). الظن والشك والوهم.
وقال الرازي بأن العلم لا يُحد بالحد التام،
لتعسر ذلك.
ثم حده حدا ناقصا، فقال: هو حكم الذهن الجازم المطابق لموجب.
والمشهور: هو إدراك الشيء على حقيقته إدراكا جازما.
والعِلْمُ: اسم جنس، قد يكون متعلقه (ذَاتًا)
كزيد، أو (صِفَةً) كجَمَـالِ زَيْدٍ، أو (فِعْلًا) كَقِيَامِ زَيْدٍ،
أو (حُكْمًـا) كزكاة زيد الواجبة عليه.
الإدراك لغة: لُـحُوقُ الشَّيْءِ والوُصُولُ إليه، وهو
مصدر (أَدْرَكَ يُدْرِكُ إِدْرَاكًا).
قال ابن فارس (2/269/دَرَكَ):
(دَرَكَ) الدَّالُ وَالرَّاءُ وَالْكَافُ
أَصْلٌ وَاحِدٌ، وهو لُحُوقُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ وَوُصُولُهُ إِلَيْهِ، يُقَالُ
أَدْرَكْتُ الشَّيْءَ أُدْرِكُهُ إِدْرَاكًا، وَيُقَالُ: فَرَسٌ دَرَكُ
الطَّرِيدَةِ، إِذَا كَانَتْ لَا تَفُوتُهُ طَرِيدَةٌ. وَيُقَالُ: أَدْرَكَ
الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ، إِذَا بَلَغَا، وَتَدَارَكَ الْقَوْمُ: لَحِقَ
آخِرُهُمْ أَوَّلَهُمْ.
وقال في اللسان (2/درك):
والإدْراكُ اللحوق، يقال مشيت حتى أَدْرَكته،
وعِشْتُ حتى أَدْرَكْتُ زمانه، وأَدْرَكْتُه ببصري، أَي: رأَيته، وأَدْرَكَ
الغلامُ، وأَدْرَكَ الثمرُ، أَي: بَلَغَ. اهـ
وقد يأتي الإدراك بمعنى فناء الشيء، يقال:
أَدْرَكَ هذا الشَّيءُ، أي: فَنِيَ، نص عليه في العين (5/328)، وقال في اللسان: وربمـا قالوا أَدْرَكَ الدقيق، بمعنى:
فَنِيَ
واصطلاحا: وصول النفس إلى المعنى بتمامه.
والنفس يعرفونها: بأنها القوة العاقلة المدركة للأشياء.
فإن وصلت النفس إلى المعنى لا بتمامه كان شعورا
لا إدراكا.
وعلى الحد المشهور عند الأصوليين أن العلم: إدراك الشيء على حقيقته، أو على ما هو عليه
إدراكا جازما يخرج بقول: (إدراك الشيء). عدم الإدراك، ويُسمى جهلا بسيطا.
وخرج بقول: (على حقيقته أو على ما هو عليه). ما لو أدركه إدراكا جازما على وجه مخالف لما
هو عليه، فيُسمى جهلا مركبا، كإدراك أهل البدع لبعض مسائل الشرع، كتحريفهم للصفات
مثلا، فهذا إدراك لكنه على غير الحقيقة، ويُسمى اعتقادا فاسدا؛ لأنه لم يطابق
الواقع.
وخرج بقول: (إدراكا جازما). ما لو أدركه إدراكا غير جازم فيكون ظنَّا أو
شكًّا أو وهمًا.
إذن عندنا:
علم: وهو إدراك الشيء على حقيقته أو على ما هو
عليه إدراكا جازما.
الجهل البسيط: عدم الإدراك بالكلية.
الجهل المركب: إدراك الشيء على غير ما هو عليه.
الظن: إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح.
الوهم: إدراك الشيء مع احتمال ضد راجح.
الشك: إدراك الشيء مع احتمال ضد مساوٍ.
فلو قلتَ مثلا: الإمام الشافعي ليس عربيَّ الأصلِ، فهذا جهل
مركب وليس علما.
ولو قلتَ: لا أدري أهو عربي أم لا، فهو جهل أيضا، لكنه
جهل بسيط.
ولو قلتَ: هو عربي الأصل، فهذا علم؛ لأنك أدركت الأمر
على حقيقته إدراكا جازما.
إذن: إما علم، وإما جهل، وإما شك، وإما ظن، وإما
وهم، وسوف يأتي بيان كل منهـا إن شاء الله.
ثانيا: أقسام العلم.
ينقسم العلم إلى: (تَصَوُّرٍ، وتَصْدِيقٍ)،
وكل منهمـا إما (ضَرُورِيٌّ، وإما نَظَرِيٌّ).
فينقسم إلى: (تَصَوُّرٍ، وتَصْدِيقٍ) باعتبار مُتَعَلَّقِـهِ.
أما التصور: فهو إدراك المفردات، من غير تعرض لإثبات شيء
له أو نفيه عنه، كإدراك كون زيد عَلَمًـا.
والمفرد عندهم ما قابل التركيب ولو كان جمعا،
من الإفراد المقابل للتركيب الإسنادي التام المقصود لغيره، لا من الإفراد المقابل
للجمع، (كعبد الله، وغلام زيد)، وقد سبق بيان ذلك في قوله (والجزءان
مفردان).
قال الأخضري في سُلَّمِهِ:
إِدْراكُ مُفْرَدٍ تَصَوُّراً عُلِمْ *** وَدَرْكُ
نِسْبَةٍ بِتَصْديقٍ وُسِمْ
قال الشيخ الأمين في المقدمة المنطقية (ص5):
واعلم أن علم التصور في الاصطلاح هو إدراك معنى
المفرد من غير تَعَرُّضٍ لإِثبات شيء له ولا لنفيه عنه، كإدراك معنى اللذة،
والألم، ومعنى المرارة، ومعنى الحلاوة، وإدراك معنى الإِنسان، ومعنى الكاتب،
فإدراك كل مفرد مما ذكرنا ونحوه أي فهم المعنى المراد به ذلك المفرد من غير تعرض
لإثبات شيء. اهـ
وقال بعضهم: سُمي تصورا؛ لأن من أدرك حقائق الماهيات انْطَبَعَتْ
صُوَرُهَا في مِرْآَةِ ذِهْنِهِ، كالمرآة الحسية إذا وقفت أمامها انطبعت صورتك
فيها.
وأما التصديق: فهو إدراك ما ليس بمفرد، والمقصود بمـا ليس
بمفرد: المركبات التامة، وهو ما كان لفظا مركبا مفيدا بالوضع، وهذا يشمل الجملة الاسمية
والجملة الفعلية.
ويدخل في المركب عند المناطقة كلٌّ من المركبِ الإضافيِّ؛ نحو: «غلام زيد»، والمركب التقييدي؛ نحو: «حيوانٌ ناطقٌ»؛ لأن كلًّا من «غلام» له معنى، و «زيد» له معنى، وقد دَلَّ كلٌّ منهما على جزء معناه
قال الشيخ الأمين في المقدمة (6):
وأما علم التصديق فهو إثبات أمر لأمر بالفعل،
أو نفيه عنه بالفعل، وتقريبه للذهن أنه هو المسمى في اصطلاح البلاغيين بالإِسناد
الخبري، وفي اصطلاح النحويين بالجملة الاسمية التي هي المبتدأ والخبر، أو الفعلية
التي هي الفعل والفاعل، أو الفعل ونائب الفاعل. فلو قلت مثلًا: (الكاتب إنسان)،
فإدراكك معنى الكاتب فقط علم تصور، وإدراكك معنى الإِنسان فقط علم تصور، وإدراكك
كون الإِنسان كاتبًا بالفعل، أو ليس كاتبًا بالفعل، هو المسمى بالتصديق، وإنما سمي
تصديقًا لأنه خبر، والخبر بالنظر إلى مجرد ذاته يحتمل التصديق والتكذيب فسموه
تصديقًا، تسمية بأشرف الاحتمالين. اهـ
قلتُ:
وإذا أردتَ التفصيل فهي سبعة (جملة الخبر،
جملة الصفة، جملة الحال، جملة الصلة، جملة الشرط، جملة الجواب، جملة القسم).
وقول الشيخ رحمه الله: (بالفعل). أي:
لا بد أن يتحقق هذا الوقوع في الخارج.
فإما وُقُوعٌ، وإما لا وُقُوعٌ.
فإذا قيل: «زَيْدٌ كَرِيمٌ». هذا مركبٌ تامٌّ من مبتدإ وخبر، إدراكه يُسمى
تصديقا.
ولا يمكن إدراكه إلا بإدراك المفرد أولا، فإدراك
الجزئيات مقدم على إدراك المركبات، فإذا أدركتَ مفرديه بالفعل كان تصديقا
إذن: عندنا أربعة تصورات في المركب:
الأول: «زَيْدٌ». ويُسمى مبتدأ عند النحاة، ومسندا إليه عند
البيانيين، لأن الكرم أُسند إليه، ومحكوما عليه عند الأصوليين؛ لأنك حكمتَ عليه
بالكرم، وموضوعا عند المناطقة.
والثاني: «كَرِيمٌ». ويُسمى خبرا عند النحاة، ومسندا عند
البيانيين، ومحكوم به عند الأصوليين، ومَـحْمُولًا عند المناطقة.
والثالث: «تصورُ النِّسْبَـةِ الـحُكْمِيَّـةِ».
التي هي مورد الإِيجاب والسلب من غير حكم
بوقوعها ولا عدم وقوعها، وهي ثبوت المحمول للموضوع.
فإذا قيل: «زَيْدٌ كَرِيمٌ». وشككتَ أنت في كرم زيدٍ، من غير حكم بوقوعه،
ولا عدم وقوعه، فكونك تصورت «زَيْدًا» وحده «وكَرِيمًـا» وحده،
وتصورتَ معنى نسبة الكرم إلى زيد، لكنك لم تثبت كرمه ولم تنفه، فهذه تُسمى نسبة،
وهي (تَعَلُّقُ أو ثُبوت المحمول بالموضوع)، يقابل ذلك أن يكون الموضوع غير
قابل للحكم، فلا يُمكن أن يتعلق المحمول بالموضوع.
مثاله: لو قيل «ماتَ الجدارُ».
فإنك تصورتَ المحمول، وتصورتَ الموضوع، لكنْ
هل يمكنك أن تتصور قيام الخبر بالمبتدإ؟
الجواب: قطعا لا يمكن، فنقطع إذن بعدم صحة هذه الجملة؛
لأن الإدراك الثالث غير صحيح.
الرابع: «التَّصْدِيقُ».
أن يتصف زيد بالكرم، فيثبت الكرم في حقه، أو لا
يتصف، فإما وُقُوعٌ، وإما لا وُقُوعٌ.
قال الشيخ الأمين في المقدمة (6):
وجمهورهم يقول: إن التصديق بسيط، وهو التصور
الرابع وحده، والثلاثة قبله شروط فيه.
وقال الرازي: التصديق مركب، يعني أنه مركب من أربعة تصورات،
فهو عنده مجموع التصورات الأربعة، والقولان متفقان على أنه لا بد قبله من ثلاثة
تصورات إلا أن من يقول هو بسيط يقول: توقفه على التصورات الثلاثة من توقف الماهية
على شرطها، ومن يقول هو مركب يقول: هو من توقف الماهية على أركانها التي هي
أجزاؤها، فعُلم أن كل تصديق تصور، وليس كل تصور تصديقًا. اهـ
وينقسم إلى: (ضَـرُورِيٍّ، ونَظَرِيٍّ) باعتبار
الطريق الـمُوصِلِ إليه.
فالضروري: ما لا يحتاج إلى نظر واستدلال، ككون النار
محرقة، وأيام الأسبوع سبعة، والكل أكبر من الجزء.
والنظري الاكتسابي: هو ما يحتاج إلى نظر واستدلال، كالعلم بشروط
صحة الصلاة، ومفسدات الصوم، إلى غير ذلك، وسوف يأتي بيان كل منهمـا إن شاء الله.
ثالثا: الفرق بين العلم عند المناطقة والعلم عند الأصوليين.
العلم عند المناطقة: هو إِدْرَاكُ الـمَعَانِـي مُطْلَقًا.
فيكون بمعناه اللغوي بقيد اللفظ، حينئذ يَخرج
ما ليس بلفظ، فلا يكون عِلمـا في الاصطلاح.
قال الغزي في نظمه على الشمسية:
العِلْمُ إِدْرَاكُ الـمَعَانِي مُطْلَقًا *** وَحَصْرُهُ
في طَرَفَيْنِ حُقِّقَا
سَمَّوْهُمُا التَّصْدِيقَ والتَّصَوُّرَا *** فَالْأَوَّلُ
اعْتِقَادُ نِسْبَةٍ تُرَى
وَغَيْـرُهُ تَـصَـوُّرٌ وَنُـوِّعَـا *** إلى
بَدِيْـهِـيٍّ وَكَسْبِـيٍّ مَعَـا
وقوله: (المعاني). ليشمل التصديق، أي: المركب، والتصور، أي:
المفرد.
فهو كما سبق بيانه ينقسم إلى: (تَصَوُّرٍ،
وتَصْدِيقٍ)، وكل منهمـا إما (ضَرُورِيٌّ، وإما نَظَرِيٌّ).
فالعلم عند المناطقة شامل للظن والجهل، ويدخل
فيه أيضا النسبة المشكوك فيها، والنسبة المتوَهَّمة.
فكل إدراك عند المناطقة يُسمى علما، إدراكا
تصوريا كان أو تصديقيا، جازما أو غير جازم.
أما العلم عند الأصوليين: فهو قَسِيمٌ للجهل،
لكنه يتعلق بالإدراك التصديقي الجازم فقط، وهو وصول القوة العاقلة إلى المعنى على
ما هو عليه.
أو قل للتيسير: هو إدراك المركب الإسنادي التام المقصود
لغيره على ما هو عليه إدراكا جازما، كما سبق بيانه.
فخرج بذلك، الظن، والوهم، والشك، والجهل
بنوعيه؛ لأنه إدراك، لكن ليس بتمامه، أو على غير ما هو عليه، فإدراك التصورات لا
يُسمى علما عند الأصوليين.
فخرج بذلك ثلاثة أمور:
الإدراك التصديقي غير الجازم.
والإدراك التصوري الجازم.
والإدراك التصوري غير الجازم.
كله لا يُسمى علما عند الأصوليين.
بل يعتقد كثير منهم أن هذا معناه اللغوي !!،
وكلما جاء لفظ العلم بمعنى الظن أو الشك أو الشعور، قالوا: يُحمل على سبيل
المجاز، وهذا فاسد، كمـا بيناه من القرءان، وكلام أرباب اللغة.
رابعا: إطلاقات العلم.
يُطلق العلم عند أرباب الفنون ويُراد به: (الفقه،
والملكة، والإدراك، والتصديق، والمسائل، والقواعد، والظن)، وكل منها له موضعه
الذي يُرجع إليه، والله أعلم.
وكتب
أبو زياد محمد بن سعيد البحيري
من شرحي على نظم الورقات
والمسمى «قطف الثمرات في شرح نظم الورقات»
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق