الخميس، 15 أكتوبر 2015

شرح نظم المقصود الدرس الثالث - (شرح مقدمة الناظم، والبسملة، وترجمة الناظم) - لأبى زياد محمد بن سعيد البحيري.


قال الناظم رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
يَقُــولُ بَعْدَ حَـمـْدِ ذِي الْجَلَالِ ** مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيْ وَالْآلِ
عَبْدٌ أَسِيرُ رَحْمَــةِ الْكَـرِيــــــمِ ** أَيْ أَحْمَدُ بْنُ عَابِدِ الرَّحِيمِ

الدرس الثالث


بدأ الناظم رحمه الله بالبسملة كما هي عادة أهل العلم، وذلك لعدة أمور:
أولا: أسوة بكتاب الله عز وجل.
ثانيا: أسوة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية، حيث كان يرسل رسائله ويفتتحها بالبسملة.
ثالثا: قالوا: أسوة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية، حيث ورد في الحديث "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر، وفي رواية أجذم"، لكنه حديث لا يصح.
رابعا: للاستعانة بالله سبحانه وتعالي.
والبسملة: مصدر قياسي لبَسْمَلَ كدَحْرَجَ دَحْرَجَةً، وهو من النحت المعروف عند الصرفيين، وهناك خلاف بينهم هل هو سماعي أم قياسي، والصواب كونه قياسيا، وقد سُمِعَ (سَمْعَلَ) من قول: السلام عليكم، وسُمِعَ (بَسْمَلَ) من قول: بسم الله الرحمن الرحيم، ويقاس عليه مثل (حولق) أو حوقل من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، و(هلل)، إذا قال لا إله إلا الله، إلى غير ذلك.
قال عمر بن أبي ربيعة:
لقد بسملت ليلى غداة لقيتها *** فيا حبذا ذاك الحبيب المبسمل
وقد ذُكرت البسملة في افتتاح كتاب الله جل وعلا تعليما من الله لعباده أن يذكروا اسمه عند افتتاح القراءة، فالمعني: أقرأ باسم الله، أو أبدأ القراءة باسم الله، أو أبدأ قراءتي باسم الله.
قوله: (بسم):
الاسم عند البصريين مشتق من السُّمُوْ، وهو العلو، من سَمَـا يَسْمُو سُمُوًّا، من قولك: سموت الشيء سموا، وأصله (سِمْوٌ)، حُذِفَ حرف العلة الواو المتطرفة وهو لام الكلمة فصار (سِمٌ)، جرى فيه إعلال بالقلب، ودخلت عليه الألف في أوله فصار (اسم)، ودليل ذلك جمعه على (أسماء) الذي هو في الأصل (أسماو) فهو وَاوِيٌّ معتل، وقعت الواو بعد ألف الجمع فقُلبت همزة، ويجمع أيضا على (أسامو)، ثم صارت بعد القلب (أسامى)، وُيصغر على (سُمَـيٌّ).
والكوفيون على أن الاسم مشتق من السمة، أي العلامة، من وسم يسم وسما وسمة، والصواب قول البصريين، لكون (اسم) يجمع على (أسماو)، ويصغر على (سُمَىّ) والجمع والتصغير يردان الكلمات إلى أصولها، ولو كان مشتقا من السمة على قول الكوفيين لجمع على (أوسام)، ولصغر على (وسيم).
وعلى هذا الخلاف يَخْتَلِفُ تصريفه، فعلى قول البصريين وهو الصواب يكون (اسم) على وزن (افْعٌ) على أن الذي حذف هو لام الكلمة، وعلى قول الكوفيين وزنه (اعل) على أن المحذوف هو فاء الكلمة.
قوله: (الله):
لفظ الجلالة (الله) أصله (إلاهٌ) على وزن (فِعَالٌ)، فحذفت الهمزة وعوض عنها بأل فصار (الله)، وهو ما نقله سِيبَوَيْه عَنِ الْخَلِيلِ.
بينما قَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: أَصْلُهُ الْإِلَاهُ، حَذَفُوا الْهَمْزَةَ وَأَدْغَمُوا اللَّامَ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ فصارتا لاما مشدّدة كما قال تعالى﴿ لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي ﴾(الْكَهْفِ: 38)، أَيْ لَكِنَّ أَنَا، وَقَدْ قَرَأَهَا كَذَلِكَ الْحَسَنُ.
والإله هو الذي تألهه القلوب، من أَلَهَ الرجلُ إِلهَةً، فهو مصدر أريد به اسم المفعول، والدليل على كونه مشتقا وأصل مادته أَلَهَ قوله تعالى﴿ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ ﴾(الْأَنْعَامِ: 3).
فلما ورد في قوله تعالي﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ﴾(لزُّخْرُفِ: 84).
علمنا أن الإله هو أصل اشتقاق (الله)، سواء كانت أل فيه زائدة على قول سيبويه، أو أصلية على قول الكسائي والفراء.
 قال رؤبة:
لِلَّهِ دَرُّ الْغَانِيَاتِ الْمُدَّهِ *** سَبَّحْنَ وَاسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهِي
الرحمن: على صيغة فعلان، وهي من صيغ المبالغة كما سيأتي بيانه، كعطشان وغرثان.
والرحيم: على وزن فعيل، من الدلالة على المبالغة أيضا، فكل من الرحمن والرحيم مشتق من الرحمة وكلاهما للمبالغة، لكن لفظ رحمن أبلغ من رحيم، لأن زيادة المبني تدل علي زيادة المعني في الغالب، لذلك قيل يا رحمن الدنيا ويا رحيم الآخرة، قال تعالي﴿ الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى﴾(طه:5).
ولم يقل الرحيم، لأن الرحمن يعم جميع خلقه، أما الرحيم فرحمته خاصة بالمؤمنين، لذلك قال تعالي﴿ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ﴾(الأحزاب:43)، والرحمن لا يطلق إلا علي الله، بينما الرحيم قد يطلق على غير الله، كمال قال تعالي عن نبيه ﷺ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ﴾.
وابن القيم له توجيه جيد، حيث قال في بدائع الفوائد (1/24):
وأما الجمع بين الرحمن الرحيم ففيه معنى هو أحسن من المعنيين اللذين ذكرهما وهو أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم فكان الأول للوصف والثاني للفعل فالأول دال أن الرحمة صفته والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته.
وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ولم يجيء قط رحمن بهم فعلم أن الرحمن هو الموصوف بالرحمة ورحيم هو الراحم برحمته وهذه نكتة لا تكاد تجدها في كتاب وإن تنفست عندها مرآة قلبك لم تنجل لك صورتها.اهـ
قال ابن كثير: وَرَحْمَنُ أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنْ رَحِيمٍ، وفي كلام ابن جرير ما يُفهم منه حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ عَلَى هَذَا، وَفِي تَفْسِيرِ بَعْضِ السَّلَفِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.اهـ
من البلاغة في البسملة:
المجاز بالحذف في متعلق الجار والمجرور في قوله (بسم الله)، ونقدر المتعلق فعلا متأخرا مناسبا للمقام.
فكونه فعلا لأن الأصل في العمل يكون للأفعال على خلاف بينهم في ذلك ليس هذا محل بسطه.
وكوننا قدرناه متأخرا حتى تكون البداية باسم الله، ولو قدرناه متقدما جاز أيضا، والأول أبلغ.
وقدرناه مناسبا للمقام حتى إذا قدمته للقراءة يكون التقدير (باسم الله أقرأ)، وإذا قدمته للأكل يكون التقدير (باسم الله آكل)، وهكذا.
ولأن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، وهذا أبلغ.
ومن البلاغة أيضا: الإيجاز بإضافة العام للخاص في قوله تعالي﴿ بسم الله ﴾ ويسمي عندهم (إيجاز قصر).
إعراب البسملة: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
(الباء): حرف جر، وهو باء الاستعانة على الصحيح، وقيل باء السببية، وعند سيبويه باء الإلصاق، وهو حرف مبني على الكسر لا محل له من الإعراب.
(اسم): مجرور بالباء، وجره كسرة ظاهرة على آخره، وهو مضاف.
وشبه الجملة في محل نصب مفعول به مقدم بفعل محذوف تقديره أقرأ أو أبدأ بسم الله، عند من يجيز ذلك من النحاة، ولو قدرنا المتعلق اسما لكان الجار والمجرور متعلقين بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف تقديره (ابتدائي).
(اللهِ): مضاف إليه مجرور على التعظيم، وجره كسرة ظاهرة على آخره.
(الرحمنِ الرحيمِ): نعتان مجروران، وجرهما كسرة ظاهرة.
وجملة البسملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.
وهذا الإعراب على سبيل الاختصار، وإلا فلإعراب البسملة أوجه كثيرة أوصلها بعض النحاة كالخضري إلى تسعة وسبعين وجها بعد المائتين !!!، ولا يُسلم له في بعضها، والمشهور منها تسعة أوجه.

 قال الناظم: يَقُــولُ بَعْدَ حَـمْـدِ ذِي الْجَلَالِ *** مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيْ وَالْآلِ
قوله: (يَقُــولُ): فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم.
وقد بدأ الناظم رحمه الله بالجملة الفعلية التي تفيد الحدوث دون الاستمرارية، وقد تفيد الاستمرارية إذا احتفت بها قرائن.
وبدأ بالمضارع منها خصوصا لكونه يفيد وقوع الحدث في زمن التكلم أو بعده، إما للدلالة على الحال أو الاستقبال، ولو بدأ بالماضي لخلصه إلى زمن ما قبل التكلم، والأول أبلغ، لأنه لم ينته من نظمه.
قوله: (بَعْدَ): ظرف زمان منصوب، ونصبه فتحة ظاهرة على آخره، متعلق بقوله (يقول)، وهو مضاف.
قوله: (حَـمْـدِ): مضاف إليه، وهو مضاف، من إضافة المصدر إلى مفعوله إضافة لامية، وفاعل حـمد ضمير مستتر تقديره (أنا).
الحمد لغة: هو الثناءُ بالجميل عَلَى الجميلِ الاخْتِيَارِي على جهة التعظيم والتبجيل، وهو مصدر حَـمِـدَ يَـحْمَدُ حَـمْدًا، فهو حَامِدٌ، ومَـحْمُودٌ وحَـمِيدٌ.
ولو قال الناظم أحمد ربي، أو الحمد لله لكان أحسن وأبلغ من قوله (بعد حمدِ)، لأن الحمد مصدر، والمصدر اسم يدل على الحدث مطلقا مجرداً من الزمان، وهو حاصلٌ سواء حمد الناظم ربه أم لا، ولذلك لو قال: الحمد لله، أو أحمد الله ربي لكان أحسن.
واصطلاحا: يقولون: فعل ينبأ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما على الحامد أو غيره !!، كذا قالوا، وهذا غير صحيح، لكونهم قيدوا الحمد مقابل الإنعام، فلزم من ذلك أنه إذا لم يُنْعِمْ لم يُحمَدْ !!، أو لا يحمد على صفاته وأفعاله سبحانه وتعالي، سواء أكانت واصلة إلى الحامد أم لا.
والصواب أن نقول كما قال ابن القيم في بدائع الفوائد (2/93):
هو ذكر محاسن المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه.اهـ
وقد بدأ الناظم بالحمد اقتداء بكتاب الله جل جلاله، واقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية، حيث كان يفتتح خطبة الحاجة بالحمد.
وقوله: (ذِي): مضاف إليه، بإضافة المصدر إليه، وهو مفعول به في الأصل، والمعنى: بعد حمدي أنا ذا الجلال، وذي مضاف، بمعنى صاحب.
والْـجَلَالِ: مضاف إليه، وذي الجلال: أي صاحب العظمة.
قال في لسان العرب في عدة مواضع (مادة -جـلـل): جَلالُ الله عظمتُه، وجَلَّ الشيءُ يَجِلُّ جَلالاً وجَلالةً وهو جَلٌّ وجَلِيلٌ، وأَجَلَّه عَظَّمه، ويقال جَلَّ فلان في عَيني أَي عَظُم، وأَجْلَلْتُهُ رأَيته جَلِيلاً.اهـ
ثم بعد أن حمد الله وأثنى عليه صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(مُصَلِّيًا): وهو حال من فاعل حَـمْـدِ المستتر.
وقد يقال: كيف يكون الناظم حامدا ومصليا في نفس الوقت، والحال هنا ليست مقارنة؟!
والجواب: هذا من باب المقارنة ولم تتخلف، والمعنى: أحمد الله وبعد فراغي من الحمد أصلى على النبي صلى الله عليه وسلم.
أو يكون التقدير: أحمد الله ثم ناويا الصلاة على رسول الله.
لكن هذا مردود كما قال محمد بن أحمد عليش في (حل المعقود ص5):
وأما الجواب: بأنها حال منوية فمردود بأن نية الصلاة ليست صلاة، وهذه الحال وإن كانت مفردة لفظا لكنها في قوة جملة خبرية، أي حال كوني أصلى على النبي صلى الله عليه وسلم.اهـ
وقوله (مُصَلِّيًا): اسم فاعل من صلَّى، يُصَلِّي، تَصْلِيَةً، فهو مُصَلٍّ، ومُصَلًّى.
والصلاة لغة: الدُّعاءُ.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: أحسن ما نفسرها به ما قاله أبو العالية فيما ذكره عنه البخاري في صحيحه (2/482) قال: قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ صَلَاةُ اللَّـهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ.اهـ
وقيل: هي رحمة خاصة من الله جل جلاله للنبي صلى الله عليه وسلم.
عَلَى النَّبِيْ: جار ومجرور متعلق بقوله (مُصَلِّيًا).
والنبي بغير همز كما قال في اللسان (مادة / نبأ): مشتق من النَّبْوَةِ: وهى ما ارتفع من الأرض، وعلى هذا المعنى فهو مرفوع لرفعته على الناس بمنزلته وعلوه مكانته صلى الله عليه وسلم، فيكون (نبي) على وزن فعيل، بمعنى مفعول.
وقد يكون فعيل بمعنى فاعل: لأنه عليه الصلاة والسلام رافعٌ منزلة من اتبعه.
وقيل (النَبِيءُ): بالهمز، فلو كان مهموزا فهو مشتق من النَّبَأِ، وهو الخبر.
قال الجوهري: والنَبِيءُ المُخْبِرُ عن الله عز وجل لأنه أَنْبَأَ عنه، فهو فَعِيلٌ بمعنى فاعِلٍ.
وقال ابن بري: فَعِيل بمعنى مُفْعِل، أي مخبر.
قلتُ: وقد يكون فعيل هنا بمعنى مفعول أي: مُنْبَّأ، لأنه النبي صلى الله عليه وسلم مُنْبِئ عن الله جل جلاله ومُنْبَّأ ومُخبَرٌ عن الله عز وجل بواسطة جبريل عليه السلام، ومُنْبِئ أشهر وأكثر استعمالا.
قوله: (وَالْآلِ): معطوف على قوله (النَّبِيْ).
الْآلُ: هم الاتباع، كما قال تعالي﴿ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾(غافر-46).
فآل النبي صلى الله عليه وسلم هم أتباعه على دينه سواء كانوا من قرابته أم لا، ويدخل في ذلك أولا أهله المؤمنون به وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.
قال في اللسان (مادة / أول): فإِما أَن تكون الأَلف منقلبة عن واو وإِما أَن تكون بدلاً من الهاء وتصغيره أُوَيْل وأُهَيْل.اهـ
وقيل: الآل هم الأهل، وقيل: ذو قرابته سواء كان مُتَّبعاً أَو غير مُتَّبع، والأول أصح، والآية حجة في كون الآل هم الاتباع.
قال الناظم: عَبْدٌ أَسِيرُ رَحْمَــةِ الْكَـرِيـمِ *** أَيْ أَحْمَدُ بْنُ عَابِدِ الرَّحِيمِ
عَبْدٌ: فاعل يقول، وهو مفرد (عبيدٍ)، وهو ضـد الـحُـرِّ، ويجمع أيضا على (عُبُدٍ، وأعْبُدٍ، وعُبْدَانٍ، وعِبَادٍ)، وعَبْدٌ: مشتق من العُبُودِيَّةِ، وهي الخضوع والذل، من عَـبَـدَ، يَـعـبُـدُ، عِبَادَةً، وعُبُوديَّةً، فهو عَابِدٌ، واسم المفعول مَعْبُودٌ، فالناظم خاضع وذليل لله جل جلاله لا غيره هذا ما نظنه به.
أَسِيرُ: نعت لعبد، فهو عبد أسير ملازم لرحمة الله الكريم جل جلاله، وأسير مضاف، وهو مفرد أَسَارَى، وأسِـيـرٌ فعيل، بمعنى مفعول، فهو مأسور، من أَسَرَ، يَأْسِـرُ، أَسْـرًا، وإسَارًا، فهو آسِـرٌ، والمفعول مَأْسُورٌ وأسِـيـرٌ.
رَحْمَــةِ: مضاف إليه، والرَّحْمةُ: لغة الرِّقَّةُ والتَّعَطُّفُ، كما قال في اللسان (رحم).
والرَّحْمةُ مفرد (رَحَمَاتٍ)، (ورَحْـمَـاتٍ)، وهي مشتقة من رَحِمَ، يَرْحَمُ، رَحَـمَةً وَرُحْـمـًا، فهو رَاحِمٌ، والمفعول مَرْحُومٌ.
والرَّحْمةُ: صفة كمال تليق بالله جل جلاله، وتفسير الرحمة بالمغفرة، أو الثواب، أو إرادة الإنعام والإكرام كما يقول الأشاعرة والجهمية تحريف لصفة الرحمة عن معناها، فأهل السنة يثبتون لله جل وعلا صفة الرحمة على الوجه اللائق بالله جل جلاله.
فالله جل وعلا له رحمة يرحم بها، وهو رحيم، ورحمن، ورحمته وسعت كل شيء وليست كرحمة المخلوقين، لأن الله جل جلاله ليس كمثله شيء.
فإذا أثبت صفة الرحمة لله جل وعلا، فاعلم أنها صفة تقتضي التفضل والإنعام والإكرام والمغفرة، وليست الرحمة هي المغفرة والإثابة والإنعام والإكرام، فتنبه بارك الله فيك.
الْكَـرِيمِ: مضاف إليه، والكَـرِيمُ: اسم من أسماء الله جل جلاله، وهو كثير الخير الجَوادُ المُعطِي، وكريم: على وزن فعيل، وهي من صيغة المبالغة عند الصرفيين، أي: كثير الكرم، من كَرُمَ، يَكْرُمُ، كَرَمًا وكَرَامَةً، فهو كَرِيمٌ.
أَيْ: حرف تفسير عند البصريين، والجملة بعده لا محل لها تفسيرية، وعند الكوفيين حرف عطف، والجملة بعده محلها على ما عطفت عليه.
أَحْمَدُ بْنُ عَابِدِ الرَّحِيمِ: هو اسم الناظم، فاسمه (أحمد بن عبد الرحيم الطهطاوي)، وزاد الألف للوزن.
قال صاحب هدية العارفين (1/190):
أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الطَهْطَاوِيُّ المصري الشَّافِعِي، ولد سنة 1132 وَتوفى سنة 1302 اثْنَتَيْنِ وثلاثمائة وألف، من تآليفه الأسئلة النحوية المفيدة والأجوبة العربية السعيدة فِي النَّحْو مُجَلد، نظم الْمَقْصُود فِي الصّرْف، النقطة الذهبية فِي علم الْعَرَبيَّة فِي مُجَلد.
وفي الأعلام (1/149):
أحمد بن عبد الرحيم الطهطاوي: فاضل، له شعر، من أهل طهطا (بمصر) ولد بها وتعين كاتبا في محكمتها ثم تعلم بالأزهر واحترف التعليم وانتقل إلى تحرير جريدة الوقائع المصرية إلى أن توفي بالقاهرة. له (ديوان) في المدائح النبويّة، رتبه على الحروف، ورسالة في (العروض والقوافي) و (نهاية القصد والتوسل في فهم قولة الدور والتسلسل -ط) في علم الكلام، و (وسيلة المجيز-خ) في دار الكتب.اهـ
وورد في معجم المطبوعات العربية (1/373):
أحمد بن عبد الرحيم الطهطاوي له منظومة للمقصود في الصرف أولها: يقول بعد حمد ذي الجلال مصليا على النبي والآل، شرحها محمد عليش أنظر حل العقود من نظم المقصود.اهـ

وكتبه / أبو زياد محمد بن سعيد البحيري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق